منذ إنتهاء الإنتخابات النيابيّة الأخيرة، وخلال مرحلة "الكباش السياسي" لتشكيل الحُكومة التي يُنتظر أن تبصر النور في القريب العاجل، تراشقت الأحزاب والقوى السياسيّة بأرقام مُتضاربة للدلالة على حجم تمثيلها وعلى إمتداداتها الشعبيّة. فأين الحقيقة من كل ذلك، ومن هو الحزب الأقوى شعبيًا؟.

لإعطاء إجابة موضوعيّة قدر المُستطاع، لا بُد من الإنطلاق من نتائج الإنتخابات النيابيّة التي جرت في 6 أيّار الماضي لانتخاب 128 نائبًا، والتي بلغ عدد "الأصوات التفضيليّة" فيها ما مجموعه 1,759,068 صوتًا ذهبت لمُرشّحين مُحدّدين، أكانوا حزبيّين أو حلفاء أم مُستقلّين(1)، بعد حسم الأوراق البيضاء والمُلغاة وتلك التي ذهبت للائحة كاملة من دون تحديد أي صوت تفضيلي. وإذا أردنا إعتماد تراتبيّة عدديّة خالية من أي إعتبار مؤثّر، باستثناء عدد (ونسبة) أصوات الفائزين والخاسرين من إجمالي عدد الأصوات التفضيليّة في ​لبنان​ والتي نالتها القوى الحزبيّة الأساسيّة مع غير الحزبيّين والحلفاء على لوائحها، فقد جاءت النتائج على الشكل التالي:

في المرتبة الأولى، "​حزب الله​" مع 343,220 صوتًا تفضيليًا (19,51 % من إجمالي الأصوات التفضيليّة)، علمًا أنّ الحزبيّين نالوا 289,174 صوتًا تفضيليًا بمُوازاة 54,046 صوتًا تفضيليًا للحلفاء.

في المرتبة الثانية، "التيار الوطني الحُرّ" مع 276,610 أصوات تفضيليّة (15,72 %)، علمًا أنّ الحزبيّين نالوا 142,002 صوتًا تفضيليًا بمُوازاة 134,608 صوتًا تفضيليًا للحلفاء.

في المرتبة الثالثة، "تيّار المُستقبل" 256,092 (14,56 %)، علمًا أنّ الحزبيّين نالوا 176,490 صوتًا تفضيليًا بمُوازاة 79,602 صوتًا تفضيليًا للحلفاء.

في المرتبة الرابعة، "​حركة أمل​" مع 204,199 صوتًا تفضيليًا (11,6 %)، علمًا أنّ الحزبيّين نالوا 165,556 صوتًا تفضيليًا بمُوازاة 38,643 صوتًا تفضيليًا للحلفاء.

في المرتبة الخامسة، حزب "القوّات اللبنانيّة" مع 162,078 صوتًا تفضيليًا (9,21 %)، علمًا أنّ الحزبيّين نالوا 128,712 صوتًا تفضيليًا بمُوازاة 33,366 صوتًا تفضيليًا للحلفاء.

في المرتبة السادسة، الحزب "التقدّمي الإشتراكي" مع 88,268 صوتًا تفضيليًا (5,02 %)، علمًا أنّ الحزبيّين نالوا 58,481 صوتًا تفضيليًا بمُوازاة 29,787 صوتًا تفضيليًا للحلفاء.

وتوالت المراكز بعد ذلك على التوالي لكل من "المجتمع المدني" (45,104 أصوات تفضيليّة)، ثم "تيّار العزم" والحلفاء (39,586 صوتًا تفضيليًا)، وبعد ذلك حزب "الكتائب اللبنانيّة" والحلفاء (34,147 صوتًا تفضيليًا)، ثم "تيّار ​المردة​" والحلفاء (31,206 أصوات تفضيليّة)، وبعدهما في المركز العاشر "​الحزب القومي​ السُوري الإجتماعي والحلفاء (23,881 صوتًا تفضيليًا)، إلخ.

إشارة إلى أنّ هذا الترتيب للقوى الشعبيّة للأحزاب لا يُعتبر موضوعيًا إلا من الناحية العدديّة الإجماليّة، لأنّه لا يأخذ في الإعتبار النسب الطائفيّة والمذهبيّة، ما يُشكّل خللًا كبيرًا في التراتبيّة التمثيليّة. كما أنّه لا يأخذ في الإعتبار حجم التمثيل الحزبي الصافي، في مُقابل حجم تمثيل القوى الحليفة، ما يُشكّل خللًا آخر جسيمًا في إحتساب القُوّة التمثيليّة للأحزاب في بيئتها. وفي هذا السياق، إنّ إجمالي أصوات الفائزين والخاسرين المُسلمين خلال الإنتخابات الأخيرة بلغ 1,078,999 صوتًا(2) أي 61,34 % من مجموع الأصوات التفضيليّة للفائزين والخاسرين على السواء والبالغ 1,759,068 صوتًا-كما ذكرنا أعلاه، بينما إجمالي إجمالي أصوات الفائزين والخاسرين المسيحيّين بلغ 680,069 صوتًا(3) أي 38,66 % فقط من مجموع الأصوات التفضيليّة للفائزين والخاسرين على السواء، ما يعني أنّه لا يُمكن للأحزاب ذات الأغلبيّة المسيحيّة أن تنافس الأحزاب ذات الأغلبيّة الإسلاميّة من حيث العدد الإجمالي. كما أنّ الإختلاف في الحجم المذهبي الإجمالي للناخبين يزيد من خلل الترتيب المذكور أعلاه، وعلى سبيل المثال، إنّ عدد إجمالي الناخبين السُنّة بلغ 1,081,520 ناخبًا، وعدد إجمالي الناخبين الشيعة بلغ 1,073,650 ناخبًا، بينما عدد إجمالي الناخبين الدُروز بلغ 210,496 ناخبًا، وهذا الأمر غير مُنصف للأحزاب الدُرزيّة عامة.

من جهة أخرى، إنّ "التيّار الوطني الحُرّ" الذي تضمّ كتلته 29 نائبًا، وتُعتبر قُوّة نيابيّة حاسمة، كان رشّح 29 حزبيًا فاز منهم 18، ورشّح 31 حليفًا فاز منهم 6، ليبلغ العدد 24 نائبًا، يُضاف إليهم 3 نوّاب ينتمون إلى حزب "الطاشناق"، ونائب ينتمي إلى "​الحزب الديمقراطي اللبناني​" ونائب ينتمي إلى "حركة الإستقلال"، بمجموع نهائي يبلغ 29 نائبًا. في المُقابل، إنّ حزب "القوّات اللبنانيّة" رشّح 17 حزبيًا فاز منهم 12، ورشّح 25 حليفًا فاز منهم 3، ليبلغ أعضاء الكتلة 15 نائبًا. من هنا، يستمرّ التباين في إحتساب حجم التمثيل الشعبي بين "التيّار" و"القوّات"، حيث تنطلق هذه الأخيرة من عدد النوّاب الحزبيّين لكل من الطرفين وما نالوه من "أصوات تفضيليّة"، بينما يحتسب "التيّار" الحجم الإجمالي للكتلتين مع كامل تحالفاتهما، للتحدّث عن الحجم التمثيلي المُضاعف للتيّار مُقارنة بحجم تمثيل "القوّات".

ومن ضُمن الأمثلة المُعبّرة أيضًا، رشّح "الحزب التقدّمي الإشتراكي" 6 حزبيّين فازوا جميعًا، ورشّح 5 حلفاء فاز منهم ثلاثة بدعم مُباشر من أصوات مُناصريه، ليبلغ حجم كتلته 9 نوّاب، بينما كان الرقم الأقصى المتاح لكتلة "الإشتراكي" بحسب الترشيحات هو 11 نائبًا. في المُقابل، رشّح "الحزب الديمقراطي اللبناني" 4 حزبيّين فاز منهم واحد فقط، ورشّح حليفين من دون أن ينجحا في الوُصول إلى الندوة البرلمانيّة. من جهة أخرى، "حركة أمل" رشّحت 10 حزبيّين و6 حلفاء، وقد فازوا جميعًا، بينما رشّح "حزب الله" 13 حزبيًا فاز 12 منهم، و11 حليفًا فاز 3 منهم. وبالنسبة إلى حزب "الكتائب اللبنانيّة" مثلاً، فهو رشّح 13 حزبيًا فاز منهم 3، ورشّح 7 حلفاء خسروا جميعًا. في ما خصّ "تيّار المردة" فهو رشّح 6 حزبيّين فاز 3 منهم، وحليفين لم يُحالفهما الحظ.

في الختام، إنّ إحتساب "القُوّة الشعبيّة" لأي حزب سياسي لبناني لا يُمكن أن يكون وفق العدد الإجمالي النهائي، بل بعد الأخذ في الإعتبار كل المعايير الطائفيّة والمذهبيّة والديمغرافيّة، وكل الإعتبارات الميدانيّة والنفسيّة للناخبين ومناطق إنتشارهم، وخُصوصًا حجم المُرشّحين الحلفاء وقوّتهم الذاتية بمعزل عن تحالفهم مع حزب مُعيّن، وغيرها من العوامل أيضًا، لتكون النتيجة دقيقة ومُعبّرة فعلاً عن نسبة تمثيليّة سياسيّة وازنة داخل أي مُجتمع.

(1) يُذكر أنّ عدد المُقترعين الإجمالي بلغ 1,861,203 صوت (1,814,404 للناخبين المُقيمين و46,799 صوتًا للناخبين غير المُقيمين).

(2) أصوات الفائزين المُسلمين: 859,462 صوتًا، بموازاة 219,537 صوتًا للخاسرين.

(3) أصوات الفائزين المسيحيّين: 428,547 صوتًا، بموازاة 251,522 صوتًا للخاسرين.