عندما احتشدت ال​دول الخليج​ية لتجميد عضوية ​سوريا​ في جامعة الدول العربية، كانت تظن معظمها ان دمشق ستشهد على سقوط نظام الرئيس السوري ​بشار الأسد​. يومها، كانت سلطنة عُمان تعارض التوجه الخليجي، وتتمايز ضمنياً ​الكويت​، لكن التحشيد السياسي والضغوط الاعلاميّة والنفسيّة التي مارستها الدوحة و​الرياض​ انتجت بيئة عربيّة مؤاتية لعزل سوريا، وبدأ الترقيم في عدّاد عربي-غربي: أسبوعي، ثم شهري، ثم فصلي، ثم رمضاني، ثم سنوي، لكن الاسد لم يسقط. لا بل دخلت ​روسيا​ بكل ثقلها لقلب موازين القوى. عندها شعرت العواصم الخليجيّة ان الرياح لا تجري كما تشتهي سفنها، بموازاة تغييرات حصلت في الادارتين القطريّة، ثم السعوديّة، ليترسخ الخلاف بين الدولتين، ويصل الى حد القطيعة والحصار.

كان الاسد يتفرج، ويكمل المعركة ضد الارهاب، ويمدّ اليد الى كل محاولة دوليّة لفتح صفحة جديدة. كان الاوروبيون يتسابقون سراً، ثم علانيّة، الى دمشق، تحت عنوان: استطلاع سبل ​مكافحة الارهاب​. الاميركيون ايضا كانوا الاكثر واقعية في سوريا، وتركوا العرب يراهنون على سراب. مضت السنوات تشهد ثبات الدولة السوريّة، مقابل غرق عواصم عربية في مستنقع الازمات المفتوحة، وخصوصا في اليمن.

الآن، يجري الحديث عن محاولة اماراتيّة لإعادة تسوية العلاقات بين سوريا ودول عربيّة، ومن بينها السعوديّة. التقطت ​البحرين​ الاشارة فصافح وزير خارجيتها نظيره السوري، وانتبهت ​الاردن​ فسارعت المملكة الهاشميّة التي تلتصق بدول الخليج، الى المبادرة وفتح معبر نصيب الحدودي بين الاردن وسوريا، وتشجّع العراق للإقدام ايضا في فتح المعابر الشرعيّة مع سوريا. اما مصر و​سلطنة عمان​ والكويت فالخطوط مفتوحة بينها وبين دمشق. ما يعني ان اغلب الدول العربيّة باتت عمليا مع اعادة تفعيل عضوية سوريا في جامعة الدول العربيّة وردّ اعتبارها. لكن هل تقبل دمشق بالعودة الى حضن الجامعة؟ ان اعادة العرب النظر بالقرار ازاء سوريا، يشكّل انتصارا معنويا لدمشق، لكن لا يقدّم لها شيئا آخر، وهي تترقب حصول تطورات عربية اوسع، للدخول الى مرحلة جديدة بدت ملامحها تتظهّر.

تزداد التباينات بين سلطنة عمان والسعوديّة، لاسباب سياسيّة لها علاقة بالاستقلاليّة العمانيّة اقليميا ودولياً. وتتعمق الخلافات بين الكويت والرياض بسبب حقول الثروات الطبيعيّة على الحدود بين البلدين، وقد سبّبت الخلافات توتراً بقي مضبوطاً بين العاصمتين. كما ان

لا الامارات ولا ​السعودية​ تمكنتا من تحقيق انتصارات في اليمن، حتى معركة منطقة الحديدة مضى عليها اسابيع عدّة من دون نتيجة، ما يستوجب البحث عن حلول تسووية، سبق وطرحت سلطنة عُمان مفاوضات على أرضها.

كل المصاريف الماليّة الضخمة التي جرى صرفها على حرب اليمن، أدّت الى وقوع أزمات ماليّة واقتصاديّة في العواصم المعنيّة، فرضت الركود، والضرائب الجديدة.

كانت السعوديّة تروي قصة الاصلاح التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان، لعواصم العالم، قبل ان تحلّ حادثة قتل ​جمال خاشقجي​ في السفارة السعوديّة في اسطنبول، فتتحول الى كارثة على السعوديين، وتلوّح بطرح عزل ولي العهد محمّد بن سلمان، مقابل تولّي أخيه السفير خالد بن سلمان للمنصب ذاته.

كلّها مؤشّرات تسارعت، وانتجت تغييرات تضع الخليج على مساحة الاهتزازات، فهل ينقضي الثمن بتنحّي محمد بن سلمان فقط؟ ام أنّ فتح صفحات جديدة يقتضي تغييرا في الأسماء والأداء. كل ما هو ظاهر ان الخليج تغيّر، لكن الاتّجاه صعب التحديد، بأيّ مجال؟ والى اين؟.