تستهوي السياسة عقول ال​لبنان​يين، ربما لأن وضع البلد الاقتصادي يتعلق مباشرة بوضعه السياسي، او بسبب تعدد الطوائف والاحزاب فيه وارتباط المواطن بها، ولكن رغم تعدد الاسباب، تبقى النتيجة واحدة. اللبناني متابع نهم للملف السياسي و"محلل" "استراتيجي لديه مصادره "الموثوقة".

خلال الأسبوعين الماضيين، ارتفعت وتيرة الحديث عن اقتراب تشكيل ​الحكومة​، مما جعل "بورصة" الأسماء المرشحة للتوزير نشطة، وبتنا يوميًّا امام لوائح بالأسماء التي ستتألف منها الوزارات، وفي كل تشكيلة مطروحة على وسائل التواصل الاجتماعي تجد أسماء جديدة، بعضها يكون مطروحًا بقوّة في سوق التوزير وبعضها لم نسمع به من قبل أو أقله تكون غريبة عن معظمنا.

تعود سرعة إنتشار التشكيلات إلى أن هذا الحدث هو الأهمّ اليوم على الساحة اللبنانيّة، لا سيما أنّ الكثير من الآمال تعقد على الولادة الحكومية، تماما كما كان يحصل في الشائعات التي تتناول الوضع الأمني في فترة التفجيرات. وفي زمن الهواتف النقّالة الموصولة مباشرة على عالم الانترنت عبر تطبيقات خاصة بالدردشة، بات نشر الخبر او الشائعة من أسهل الأمور التي يمكن أن تحصل وفي لحظات قليلة.

يُطلق أحدهم تشكيلة حكوميّة مكتملة، فيها 30 إسما، ولكل إسم حقيبة، مع احترام كامل للتقسيم الطائفي والمذهبي، وتبعا للتحديث الأخير لحصص الأحزاب السياسية فيها. تنتقل التشكيلة كالنار في الهشيم، وكل من ينقلها يسأل عن صحّتها، فتصبح من حيث لا ندري مرجعا للمواطنين ينطلقون منه في سهراتهم السياسيّة وتحليلاتهم لمسار التفاوض.

لا شك أن بعض الناس تلجأ الى نشر هذا النوع من الاخبار للتسلية، ولعل المثال الابرز على ذلك كان في التشكيلة الحكومية التي استلم فيها "جوري أبو خميس" وزارة شؤون المرأة، وهو بطل المسلسل الكوميدي الشهير "ضيعة ضايعة" ومعروف عنه تعامله السيء مع زوجته، ولكن بالمقابل هناك تشكيلات وزارية تُنشر تحمل أهدافا في الأسماء والحقائب، فما هي هذه الاهداف؟

بداية، قد يقف خلف ما يُنشر بعض الراغبين في طرح التسويق لأنفسهم فيعمدون إلى صوغ تشكيلة مكتملة، تضم اسمهم، ويقومون بنشرها عبر أشخاص مقربين منهم لدفع الشبهة عنهم، وفي هذه الطريقة "شهرة" بمكان ما، اذ يكفي هؤلاء أن يُقال أنهم مرشحون لتولي حقائب وزارية، وان يُحكى بهم في "الشارع" فيصبحون بعد ​تشكيل الحكومة​... "مرشحون سابقون".

بالمقابل قد تكون النيّة إستهداف المنافسين عبر طرح الأسماء لـ"حرقها"، وهو ما درجت العادة عليه في لبنان تاريخياً، فتعبير "الحرق" يُستعمل في كل استحقاق انتخابي وسياسي، سواء بالنيابة او البلدية أو الوزارة. والى جانب "حرق" المنافسين يمكن أن يكون الهدف "حرق" الطبخة الحكوميّة بأكملها، إذ يمكن لتشكيلة ملغومة أن تثير التعبئة الجماهيريّة لحزب معين، أو تكشف عن أسماء سريّة تكون بمكان ما "حلّ وسط" لإنهاء نزاع وزاري ما.

واخيرا، هناك النوع الذي ينشر ويُعلن عن نفسه، وذلك من أجل أن يقول أنه من الشخصيات التي تمتلك المعلومة، وتكشف عنها، فإن أصاب أصبح "مرجعا" للبعض يسألونه رأيه في الاحداث، وإن لم يصب يقول برسالة أخرى ان تغييرات طارئة على الحكومة تمّت في اللحظات الاخيرة لإنجاح عمليّة الولادة.

في كل يوم نسمع تصريحات حزبيّة تؤكّد عدم دقّة ما يُنشر حول أسماء المرشحين للتوزير، مع العلم أن بعض الأسماء تأكّد مشاركتها رسميّا ومنذ مدة، مثل الوزير محمد فنيش، إنما كيف يمكن ان تكون كل الأسماء دقيقة طالما أن الأحزاب لم تعرف بعد الحقائب التي ستحصل عليها؟.