كشفت ممثلة ​المفوضية العليا لشؤون اللاجئين​ (UNHCR) في ​لبنان​، ​ميراي جيرار​، أنّ "88 في المئة من ​النازحين السوريين​ في لبنان يريدون العودة إلى بلدهم"، موضحةً أنّ "الأسباب الّتي تجعلهم يتريّثون في ذلك لا تتعلّق بصورة أساسية بمسألة الحل السياسيّ ولا بمسائل إعادة الإعمار، بل بإزالة عدد من العوائق العملية، ومنها مخاوف تتعلّق بالممتلكات والأوراق الثبوتية ووثائف الأحوال الشخصية ووضعهم القانوني في بلدهم".

ولفتت خلال حلقة نقاشية نظّمتها جمعية "إدراك" (مركز البحوث وتطوير العلاج التطبيقي)، في إطار المؤتمر السنوي لـ"مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي" - الأشرفية، إلى أنّ "هذه السنة يواجه العالم رقمًا غير مسبوق للطوارئ الإنسانية الناتجة من النزاعات المسلّحة والكوارث الطبيعية. إذ لم يكن يومًا عدد اللاجئين والنازحين الداخليين منذ الحرب العالمية الثانية بهذا المستوى، فقد وصل عددهم إلى 68.5 مليون نازح داخل بلادهم أو لاجئين في دول أخرى".

وركّزت جيرار على أنّ "تجربة ​النزوح​ بسبب النزاعات المسلحة والاضطهاد والكوارث، تضع على الأفراد والعائلات والمجتمعات ضغطًا نفسيًّا واجتماعيًّا كبيرًا، وما يتعرّض له اللاجئون يمكن أن يؤثّر، بطرق مختلفة، على صحتهم النفسية وحياتهم النفسية الاجتماعية".

ولاحظت أنّ "البالغين والأطفال الّذين طالتهم الحرب واضطروا إلى النزوح في ​سوريا​ و​العراق​، يختبرون سلسلة واسعة من الأمراض النفسية والمشاكل العصبية، ومنها اضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD)"، كما رأت أنّ "البيئة الّتي يعيش فيها اللاجئون تساهم في تراجع أكبر في صحتهم النفسية بسبب التشرّد وضعف إمكانيّة ولوجهم إلى الخدمات الصحية".

ونوّهت إلى أنّ "على الرغم من البرامج النفسية الكثيرة (10 منظمات غير حكومية و4 منظمات تابعة للأمم المتّحدة) والجهود الأخيرة لتحسين العلاج النفسي للنازحين في لبنان، فإنّ لديهم إمكانيّة محدودة لولوج خدمات الصحة النفسية الأساسية. فمثلًا عام 2017، بلغ عدد الإستشارات النفسية المغطّاة كلفتها 43 ألف استشارة، في حين بلغ معدّل الإستشارات النفسية 4,300 شهريًّا عام 2018".

وبيّنت جيرار أنّ "وفق إحصاء أجري عام 2017 تبيّن أنّ 2.5 بالمئة أبلغوا عن وجود شخص أو أكثر في العائلة في حاجة إلى علاج. ومن بين هذه المجموعات 38 بالمئة تمّ الإبلاغ عن أنّهم حصلوا على العلاج المطلوب، في حين أنّ 62 بالمئة لم يحصلوا عليه"، مشيرةً إلى أنّ "رغم جهود المفوضية العليا للاجئين وسواها من الجهات وما توفّره من دعم، ومنها ​منظمة الصحة العالمية​ والبرنامج الوطني للصحة النفسية و​وزارة الصحة​، يبقى وصول النازحين إلى خدمات رعاية الصحة النفسية غير كاف".

وشدّدت على أنّه "يُنظر أحيانًا إلى الخدمات الصحّية والأنواع الأخرى من المساعدات، في السياق الحالي، على أنّها تُبقي النازحين في لبنان وتحدّ من رغبتهم في العودة إلى بلادهم. هذا الأمر يقود إلى نقاش حول ما إذا كان ينبغي مواجهة الثغر القائمة في الصحّة النفسية والقطاعات الأخرى، في لبنان، أو أنّه يجب مواجهتها في الدولة الّتي يأتي منها النازحون".

كما أكّدت أنّ "الرعاية الصحّية ليست حافزًا للنازحين كي يبقوا في لبنان أو كي يعودوا إلى بلدهم باكرًا. فثمّة اعتبارات أخرى أهمّ لاتّخاذ قرارات من هذا النوع". ورأت أنّ "عدم الوصول إلى الصحة النفسية يمكن أن يشكّل، على العكس، عاملًا يؤخّر الحلول. فالأشخاص المصابون بمرض نفسي وعائلاتهم قد لا يشعرون أنّهم يتحكّمون بمستقبلهم ويعتمدون كثيرًا على المساعدة". كاشفةً أنّ "حلّ مسائل الصحة النفسية يمكّن النازحين من التخطيط لمستقبلهم وأخذ المبادرة. وفق خبرة المفوّضية، الناس الضعفاء هم دائمًا آخر من يعودون إلى بلدهم".

وأوضحت جيرار أنّ "ثلاثة أرباع النازحين السوريين يعيشون تحت خط ​الفقر​ أي لا يتعدّى مدخولهم أربعة دولارات في اليوم، ونحو نصفهم يعيش تحت خط الفقر المدقع أي أنّ مدخولهم لا يتعدّى ثلاثة دولارات في اليوم، ولكن لديهم أمل في مستقبلهم"، مفسّرةً أنّ "النازح السوري يدفع ما معدّله 200 دولار إيجارًا شهريًّا للمكان الّذي يقيم فيه، ومع تراجع الوضع الإقتصادي في لبنان وفرص التوظيف للعمالة غير المؤهلة، إذا كان محظوظًا يمكنه العمل نحو أسبوعين على الأكثر في الشهر، أي يجني نحو 170 دولارًا، وهو مبلغ لا يكفي حتّى للإيجار".

وافادت بأنّه "بقدر ما تُزال العوائق الّتي تحول دون عودة النازحين السوريين، ستتعزّز ثقتهم وسنراهم يعودون. عندما يصبحون جاهزين للعودة، فإنّهم مستعدّون للعودة إلى بيوت مهدّمة ولترميمها بأنفسهم بما توافر لديهم ولن ينتظروا أيّ منظّمة لبنائها لهم. ليس الدمار ما يمنعهم من العودة، وإعادة إعمار البيوت ليست عائقًا".