اعتراف السلطات السعودية بمقتل الصحافي ​جمال خاشقجي​ داخل القنصلية السعودية والرواية المرتبكة والضعيفة في تبريراتها وطريقة حياكتها، في إقناع الرأي العام، حول الأسباب التي أدّت إلى مقتله والتستر على دور ولي العهد والسعي إلى تبرئته، لم تتمكّن من أن تحجب حقيقة أنّ ما جرى كان كميناً استُدرج إليه خاشقجي، إما لخطفه ونقله إلى السعودية بأمر من ولي العهد محمد بن سلمان، على غرار ما حصل في السابق مع الكثير من المعارضين، أو قتله مباشرة، وهذا ما يفسّر إرسال الفريق الأمني ومن بينه حراس ابن سلمان الشخصيين وصلاح الطبيقي رئيس قسم الطب الشرعي في إدارة الأمن العام السعودي وأخصائي في عمليات التشريح الميدانية، من الرياض إلى أنقرة للقيام بهذه العملية…

ولأنّ أحداً في العالم لم يصدّق رواية السلطات السعودية لتبرئة ولي العهد محمد بن سلمان، ولأنّ الأمور من الممكن أن تتدحرج إلى ما هو أسوأ في ظلّ عدم قدرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على مواصلة تغطية ابن سلمان، ومن أجل احتواء التداعيات المستمرة لا يستبعد ان يقود ذلك الى دفع الملك سلمان إلى إقصاء ابنه محمد عن ولاية العهد ومن منصب نائب رئيس الوزراء ومنصب وزير الدفاع، وتعيين ابنه الآخر خالد بن سلمان ولياً للعهد وتعيينه نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للدفاع، علماً أنّ خالداً يشغل حالياً منصب السفير السعودي في واشنطن، وقد عاد إلى الرياض بعد إعلان اختفاء خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول…

فجريمة قتل خاشقجي وحجم التداعيات التي أدّت إليها على مستوى الرأي العام العالمي وخروجها عن السيطرة قد تودي بنهاية حلم ولي العهد السعودي في اعتلاء العرش بعد أن أحكم قبضته على مفاصل الحكم في المملكة في فترة قصيرة.

من الواضح أنّ خطته المنسّقة مع إدراة ترامب للتضحية ببعض الأشخاص والمسؤولين بتحميلهم وحدهم المسؤولية عما حصل في القنصلية السعودية في اسطنبول تواجه صعوبات في القدرة على تمريرها، وهي لم تنطل على الرأي العام، وقد تفضي إلى التضحية بابن سلمان نفسه وتدفيعه الثمن وتحوّله إلى كبش فداء للحفاظ على حكم عائلة سلمان واحتواء التداعيات السلبية المتزايدة على المملكة..

لكن هل تتوقف التداعيات عند هذا الحدّ؟ أم تتواصل لتشمل كلّ سياسات محمد بن سلمان الفاشلة التي تسبّبت في تدهور مكانة المملكة ودورها على المستوى الإقليمي، والتي جلبت الانتقادات الدولية على خلفية شنّهِ الحرب على اليمن وارتكابه الجرائم والمجازر الوحشية ضدّ الشعب العربي اليمني وتدمير بناه التحتية، وتصدير الإرهاب الوهابي التكفيري إلى سورية والعراق وليبيا ودول العالم وبث الفوضى، وتبذير أموال وثروات أبناء الجزيرة العربية على نحو غير مسبوق في هذه الحروب الإرهابية، وفي خدمة سياسات إدارة العدوان الأميركي، ولا سيما في عهد دونالد ترامب الذي يتفاخر بأنه أكثر رئيس أميركي نجح في ابتزاز الأموال من المملكة السعودية؟

الأمر الأكيد انّ ما حصل سوف يسهم في المزيد من إضعاف الدور السعودي في المنطقة والعالم ويلجم عدوانيته، وبالتالي يعمّق من مأزق النظام السعودي ودوره في خدمة سياسات الإمبريالية الاميركية الغربية وكيان العدو الصهيوني. ويحدّ من تأثيره، خصوصاً أنّ سياسته في لعب دور رأس الحربة لتنفيذ المخططات الأميركية لإسقاط الدولة السورية المقاومة ومحاولة النيل من المقاومة عبر إثارة الفتنة المذهبية في مواجهتها وشنّ الحرب على اليمن لإعادة إخضاعه لمنظومة التبعية لقوى الاستعمار الغربي وأداته الرجعية نظام آل سعود، بهدف إعادة تعويم مشروع الهيمنة الأميركية الاستعمارية على المنطقة والعالم وخلق المناخات المواتية لفرض صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية، قد فشلت وأدّت إلى نتائج معاكسة، حيث انهار وسقط هذا الحلم الأميركي الصهيوني السعودي في سورية والعراق واليمن وفي فلسطين المحتلة، ونشأت موازين قوى جديدة لمصلحة محور الدول والقوى المقاومة للهيمنة الاستعمارية الغربية والصهيونية والرجعية، وهو ما انعكس تخبّطاً واضطراباً في مواقف وسياسات المحور الأميركي الصهيوني السعودي، هذا التخبّط والاضطراب يتجلّيان، بشكل واضح، في فشل محاولة الإدارة الأميركية تغيير المعادلات في سورية والعراق، وتزايد منسوب قلقها من نتائج إخفاقات حرب النظام السعودي على اليمن، وفي الارتباك الذي ولّدته لها سياسات محمد بن سلمان وارتكابه الانتهاكات الفاضحة ضدّ القوانين والمواثيق الدولية في اليمن، وفي استهتاره بالرأي العام الدولي وإقدامه على ارتكاب جريمة قتل خاشقجي في تركيا بهذه الطريقة السافرة… في حين أنّ تصاعد الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية أربك خطط الاحتلال الصهيوني لفرض مشاريعه ومخططاته لتصفية القضية الفلسطينية، والذي ترافق أيضاً مع تفاقم مأزق القوة الصهيونية وقدرتها على مواصلة اعتداءاتها على سورية، بعد تسلم الأخيرة منظومة «أس 300» ومنظومة السيطرة والتحكم والتشويش على الرادارات والأقمار الاصطناعية المعادية..

ولا نبالغ إذا قلنا بأنّ ما حصل من انكشاف فاضح وغير مسبوق لطبيعة النظام السعودي المعادية لكلّ القيم الإنسانية، هذه الطبيعة التي تنتمي إلى مدرسة الفكر الوهابي التكفيري لآل سعود التي أنتجت وفرّخت التنظيمات الإرهابية التكفيرية من داعش والنصرة وبقية متفرّعات تنظيم القاعدة لتدمير دول المنطقة وتفتيتها إلى كيانات مذهبية وطائفية وعرقية، إنما يسهم إسهاماً كبيراً في توجيه ضربة موجعة لأحد أهمّ أركان منظومة الهيمنة الاستعمارية، الأميركية الغربية الصهيونية، وهو نظام آل سعود الذي أصبح، أقله في هذه المرحلة، في وضع الدفاع والساعي إلى لملمة واحتواء جريمته، الأمر الذي يشلّ قدرته على الاستمرار في هجومه الرجعي كرأس حربة في خدمة السياسات الأميركية الصهيونية، ويجعله منشغلاً وغارقاً في أولوية العمل على محاولة محو الصورة السوداوية التي تسبّبت بها سياساته لا سيما في عهد محمد بن سلمان، وكيفية احتواء تداعيات جريمة قتل خاشقجي التي يتوقع أن تتواصل فصولها في ظلّ إصرار السلطات السعودية على إخفاء جثته والسعي إلى تبرئة ولي العهد من المسؤولية عن الجريمة…!

ولهذا من الطبيعي أن ينعكس كلّ ذلك إيجاباً لمصلحة محور المقاومة والقوى التحرّرية والتقدّمية في المنطقة أولاً وعلى المستوى الدولي ثانياً…