تعيش اسطنبول منذ نحو الشهر مرحلة غير اعتيادية، حيث يتردد اسمها في ​وسائل الاعلام​ المحلية والعالمية على حد سواء. السبب الاول كان انها المدينة التي تستضيف القنصلية ​السعودية​ حيث قضى الصحافي ​جمال خاشقجي​ قتلاً على يد "مجهولين"، ولا تزال قضيّته محط اخذ ورد بين كبار المسؤولين في العالم.

اما السبب الثاني الذي أبقى اسطنبول على عرش الاهتمام الاعلامي العالمي، فهو استضافتها غداً قمة رباعيّة تضم الى الرئيس التركي ​رجب طيب اردوغان​، كلاً من: الرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​، الرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​ والمستشارة الالمانية ​انجيلا ميركل​. ومن الطبيعي ان يتطرق البحث الى الوضع في المنطقة عموماً في ظل التطورات الاخيرة ومنها قضية خاشقجي، والى الوضع في سوريا بشكل خاص. واللافت في الاجتماع انه سيعقد في غياب طرف مهم في المعادلة السورية وهو ايران، انما من المنطقي الافتراض ان وجود ايران سيعني احراج المسؤولَين الفرنسي والالماني. غياب الجانب الايراني، يقابله ايضاً شكوك حول الغياب الاميركي والاممي عن هذا اللقاء الذي يقال انه سيكون مفصلياً في مصير الحرب السوريّة، فيما الدور الذي لعبته وتلعبه واشنطن والامم المتحدة اساسي في كل المراحل التي مرّت بها الازمة السورية. وفي حين ان الامم المتحدة منشغلة بتعيين ممثل جديد لها في سوريا بدل ستيفان دي مستورا الذي لا يزال يقوم بدوره حتى تعيين خلف له، كانت روسيا تضع الخطوط العريضة مع الاميركيين حول هذه القمة وما يمكن ان تبحثه، وذلك من خلال الزيارة التي قام بها مستشار الامن القومي الاميركي ​جون بولتون​ الى موسكو، وما اعلنه عن امكان عقد قمة اميركية-روسية في فرنسا الشهر المقبل.

ومع اقتراب موعد عقد القمة الرباعيّة، كثرت الاقاويل والتحليلات والمعلومات عما يمكن ان تسفر عنه، ومن بين النقاط التي يتم التداول بها، امكان مشاركة الجميع في عملية اعمار سوريا -وفق نسب مختلفة طبعاً- وبحث بعض المسائل الميدانية وسبل حلّها، والدور الذي يمكن ان تلعبه اوروبا في التخفيف من التوتر مع موسكو... والكلام يتطرق ايضاً الى طرح اوروبا عدم التمسك بإعادة النازحين السوريين الى بلادهم، او اعادة جزء منهم فقط مقابل حوافز اقتصادية ومادية تعطى للدول التي تستضيفهم ومنها تركيا. هذا الطرح لن يعجب روسيا ولا الاتراك، ولكن من وجهة نظر سياسيّة ودبلوماسيّة، فإن كل شيء قابل للنقاش، واذا ما وضعت الاثمان المناسبة، عندها يمكن تذليل الصعوبات وتصبح الطرقات سالكة للجميع.

ليس من مصلحة روسيا وتركيا عدم عودة النازحين، فالاولى ترغب في استخدامهم لعودة الحياة الطبيعية الى سوريا والمساهمة في استقرارها، اما الثانية فلا ترغب في بقائهم على اراضيها وتحمّل تبعات هذه الخطوة على اكثر من صعيد. ولكن الاوروبيين يدركون جيداً ان عودة النازحين الى سوريا سريعاً، من شأنها ان تضعهم في مواجهة واقع قاس، حيث سيكون عليهم الانطلاق من الصفر، فيما يعيش النازحون حالياً في الدول التي تستقبلهم بوضع افضل، من حيث تأمين الحاجات الاساسية من قبل الامم المتحدة ومؤسساتها، كما يمكنهم العمل في هذه الدول بشكل سري ما يعني اضافة مدخول مهم دون الحاجة الى القلق من دفع ضرائب او فواتير مياه وكهرباء ومسكن... اما في حال تم الاتفاق على عودتهم رغم ذلك، فيكون الخوف الاوروبي من انتقالهم من سوريا الى الدول الاوروبية، حيث سيكون من شبه المؤكد عدم حماستهم للعودة الى بلادهم بعدها اياً تكن الظروف.

قد تحمل القمة الرباعية معها الكثير من المعطيات المهمة بالنسبة الى مستقبل سوريا، ولكن النقطة الاهم بالنسبة الى دول الجوار تبقى، اضافة الى الاستقرار الامني لهذه الدولة، معرفة مصير نازحيها ومدى ترجيح كفة عودتهم على ما عداها من اقتراحات ومعطيات.