خاطب البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في مداخلة في الجمعية العمومية حول الكنائس الشرقية ​الكرسي الرسولي​ من جهة، والسلطات اللاتينية في بلدان الانتشار من جهة أخرى بهدف التذكير بما أوصى به المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني في القرار "حول الكنائس الشرقية"، مشددا على "ضرورة ان يحافظ أبناء هذه الكنائس، أينما وجدوا، على هويتهم وتراثهم الليتورجي والروحي واللاهوتي والتنظيمي وعلى تقاليدهم، بحيث يغنون المجتمعات التي هاجروا اليها"، موضحا ان "هذا الأمر يقتضي وجود هيكليات كنسية وراعوية: رعايا، رسالات، زيارات رسولية، اكسرخسيات وابرشيات"، مشيرًا الى "اننا نجد في الواقع صعوبات عندما نريد انشاء زيارات رسولية واكسرخسيات وابرشيات، ولذلك نصل دائمًا متأخرين كما هي الحال في العديد من بلدان ​اميركا​ الجنوبية وسواها".

واظهرت المداخلة أهمية وجود هذه الهيكليات، بالإضافة الى التعاون مع السلطات اللاتينية المحلية من اجل تسهيل وتشجيع عمليات تسجيل وقوعات الأحوال الشخصية (​الولادة​ والزواج) لدى البعثات الدبلوماسية من اجل الحصول والإبقاء على الجنسية اللبنانية، وبالتالي من اجل المحافظة على الحقوق المدنية في البلد الأم كما ان هذه التسجيلات تحفظ انتماء المنتشرين الى كنائسهم الشرقية مع التشديد على وجوب الانتماء الى المجتمعات المستضيفة (integration) من دون الذوبان فيها (assimilation).

كما كانت للراعي مداخلة اخرى في الفريق المصّغر اللغوي تناولت وجود المسيحيين الشرقيين، ومنهم ​الموارنة​ بالطبع في المجتمعات المتعددة الثقافات و​الديانات​ والاثنيات، ومنها لبنان مثلاً، والبلدان الأوروبية والغربية عامة، معتبرا ان "هناك "خطران يواجهان هذا الوجود: إما الانغلاق على الذات (كما في ghetto)، واما اعتبار جميع الديانات متساوية"، مضيفا: "كان لا بدّ من التركيز على تربية الشباب من أبناء كنائسنا وبناتها على ايمانهم المسيحي وعقيدتهم ​المسيحية​ وعلى تراثهم الروحي والأخلاقي، وعلى معرفة الآخر المختلف في ايمانه وعقيدته، من اجل بناء مجتمع سلام وتكامل واغناء متبادل"، مشددا على أن "المطلوب من المسيحي ان يشهد لمسيحيته ولقيمه الانجيلية في افعاله وتصرفاته ومبادراته واخلاقيته، بحيث يدرك الآخرون من خلالها انه مؤمن بالمسيح والله الذي يعبده، بل يعرفون وجه المسيح ووجه إلههم."

كما شدد الراعي على "وجوب تربية شبيبتنا على المفهوم الصحيح للمواطنة والالتزام الاجتماعي والسياسي"، لافتا الى ان "لبنان يتميّز منذ نشأته، عن بلدان المنطقة، بأن الولاء اليه قائم على مبدأ المواطنة"، مضيفا: "نشهد اليوم انحرافًا نحو الولاء الى الدين والطائفة والمذهب والحزب و"الزعيم" على حساب الوطن، هكذا ظهر في السنتين ونصف من الفراغ الرئاسي، وحاليًا من عدم تأليف الحكومة منذ خمسة أشهر، والبلاد على شفير الهاوية الاقتصادية والمعيشية والمالية والاجتماعية ونزيف الهجرة مميت، وتعاظم الدين العام مخيف"، مؤكدا أنه "لا بدّ من تربية شبابنا على الولاء للوطن من خلال مبدأ المواطنة، وعلى دورهم في بناء البلاد، وعلى تأمين مستقبلهم فيه، ولا بدّ من مطالبتهم بالانخراط في مؤسساته الإدارية والعسكرية والأمنية والقضائية، والاستفادة مما تقدمه لهم من فرص عمل وامكانيات عيش بكرامة"، مضيفا: "هذا ما كنا ننتظره من الأحزاب السياسية، وما زلنا ننتظره فالأوطان تبنى بسواعد مواطنيها وليس بيد الغرباء ولو كانوا من أقرب الأصدقاء، "فما حكّ جسمك مثل ظفرك!" والأوطان تبنى بالتضحيات والاعمال لا بالراحة والكلام".