بعد راحة امتدت لوقت قصير نسبياً، طالعتنا منذ فترة موجة جديدة من مواجهات ​الطلاب​ في ​الجامعات​ على خلفيّات حزبيّة، واللافت ان هذه المواجهات انما تحصل بعد انتخابات يفترض ان تكون قمّة في الديمقراطيّة وتقبّل الآخر والارتقاء بالجسم العلمي والطالبي الى مراكز اهم وافضل.

وفي وقت يمكن للمرء ان يفهم سبب المواجهات والتحركات الطلابيّة التي كانت تؤسس لثورات اجتماعية او سياسيّة أدّت الى نتائج قلبت مستقبل شعوب ودول ودخلت التاريخ من بابه العريض، لا يمكنه حقيقة ان يفهم سبب المواجهات الحاليّة التي تحصل. من المفترض اولاً ان يكون طلاب الجامعات قدوة للمجتمع ككل، ينظر اليهم طلاب المدارس على انهم المثال الذي يجب الاقتداء به في المستقبل، ويتطلع اليهم من اضطروا الى البقاء في الشارع او الدخول في معترك العمل منذ الصغر لاسباب عدة على انهم الفرصة التي لم يحصلوا عليها لاكمال مسيرتهم العملية، ويعتبرهم المجتمع ال​لبنان​ي بمثابة "الخرطوشة الاخيرة" لاصلاح ما افسده السياسيون والمسؤولون علّه يبقى بصيص امل يثلج القلوب ويريح النفس. ولكن، ما يحصل هو عكس ذلك تماماً، ويمكن بسهولة ان يختلط الامر على الجميع لدى رؤية المواجهات التي تحصل بين الحين والآخر لاسباب لا تتصل بمستقبل لبنان او بمصلحته او حتى بمستقبل الطلاب انفسهم، وهو امر مؤلم ويدفع الى طرح السؤال الذي لا مفرّ منه: ما هي الاسباب التي تؤدي الى مثل هذه المواجهات؟.

وفق مفهوم الاحزاب اللبنانية، فإن هذه المواجهات انما تحصل قبيل استحقاقات انتخابيّة لاثبات النفس والحضور الحزبي على مستوى لبنان، فيتبجّح الفائزون بالانتخابات الجامعيّة انهم من يمثّلون البلد، فيما يتحضّر الفائزون جزئياً والخاسرون من اجل "الاخذ بالثأر". ولكن نسي زعماء الاحزاب وقادتها، او تناسوا، ان الانتخابات النيابيّة التي من المفترض ان تكون الحدّ الفاصل للتمثيل الحزبي في لبنان، قد جرت منذ وقت غير طويل وافرزت نتائج رضي عنها الجميع حتى الذين تقبّلوها على مضض، فكانت الصورة الواقعية التي ستبقى اقله لاربع سنوات ولا يمكن لاحد تغييرها. فلماذا حصول المواجهات بين الطلاب وما الهدف منها؟ هل هكذا يتمّ فرض حجم التواجد للاحزاب؟ هل هكذا يتم تأمين مستقبل ​الشباب​ المثقف والمفكّر بدل اعتماد ​الهجرة​ كباب لتأمين المستقبل؟ هل بهذه الطريقة نعطي الصورة الحسنة للاجيال الناشئة ولمجتمع ملّ الكلام والوعود (رغم انه يلجأ الى توكيل الاحزاب نفسها والاشخاص نفسها المسؤولية في هذا البلد)، ويرغب البعض منه في رؤية تحسينات ولو بسيطة على نمط الحياة التي يعيشها اللبنانيون كل يوم، والتي باتت روتينيّة قاتلة لا حياة فيها؟.

ما سبب هذه البروفة الفاشلة؟ اذا كان الامر يعتمد على تواجد معنوي او مكسب وزاري او اداري، فلا يستحق الامر مهما يكن هذا المنصب، لانه سيؤول الى النتيجة نفسها ولن يقدّم او يؤخر في المعطيات والاحداث. واللوم الاكبر يبقى على الطلاب انفسهم الذين فقدوا الميزة التي تفرزهم طبقة مختلفة عن الآخرين، فباتوا مختلطين بالطبقات الاخرى لا يمكن تفريقهم عن غيرهم، وهو امر يرضي حتماً المسؤولين والزعماء في الاحزاب، لان كل من سيخرق هذه الحدود الموضوعة من قبلهم، قد يشكّل خطراً على بقاء هؤلاء الزعماء وقد يوصل الى تغيير صورتهم التي حرصوا على ان تبقى مطبوعة في اذهان جميع المنتمين الى الحزب من طلاب او غيرهم، طوال فترة الحياة وحتى بعد الممات!

على شفير ​تشكيل الحكومة​ الجديدة، تبدو هذه المعارك الجانبيّة دون فائدة ولن تستمر سوى لدقائق معدودة يصبح بعدها الطلاب مجرد "دمى متحرّكة" في اطار المسرحية الجديدة التي ستعرض فيتواجهون ويثيرون ضجّة لبعض الوقت قبل ان تندثر وتعود الامور الى طبيعتها مجدداً.