تصدّرت عناوين وسائل الإعلام العالمية خبر إعصار "ماريا" الذي ضرب جزر البحر الكاريبي وأدى الى أضرار جسيمة، وصلت الى حدّ الدمار شبه الكامل في البعض منها. وكان هبوب الإعصار الذي وصل الى ١٦٠ ميلاً في الساعة مع الأمطار الغزيرة كافياً لدمار ٩٥ في المئة من جزيرة دومينيكا الكاريبية، التي فقدت كل مقوّمات الحياة الأساسية، وراحت تلملم بنيتها التحتيّة والفوقيّة بمساعدة الدول المانحة وما تزال حتى اليوم تعاني من آثار هذه الكارثة الطبيعيّة.

عشرات المواطنين لقوا حتفهم في هذا الإعصار الذي قضى على ٩٥ في المئة من مباني الجزيرة السياحيّة الجميلة التي تعتبر مقصداً لمتذوقي الأنشطة المائية ومحبّي التسلّق نظراً الى جبالها الخضراء الجميلة.

قبيل مشاركتها أعمال ​الجمعية العامة للأمم المتحدة​، توجّهت فرانسين براون وزيرة خارجية جزيرة الكومنولث-دومينيكا برسالة الى العالم تطلب من جميع الدول الحفاظ على البيئة لأنها قادرة على حماية العالم من الكوارث البيئية، انطلاقاً من خبرة ومعاناة كبيرة عاشتها في بلادها جراء الإعصار المذكور .

"النشرة" التي استقبلت في مكتبها في الأمم المتحدة الوزيرة براون، سمعت الكثير عن هذا البلد الجميل الذي تعرّف اليه عالمنا العربي أكثر بعد خبر الإعصار، غير أنه لم يكن في أي وقت بعيد عن مآسي العالم من حروب ونزاعات، بفضل متابعة المسؤولين فيه شتى القضايا العالميّة. خصوصاً وأن رئيس وزراء جزيرة دومينيكا يعتبر أصغر رئيس وزراء في العالم، يحمل طموحات الشباب ومشاريع المستقبل في برامجه، وان وزيرة خارجية هذه الجزيرة هي سليلة عائلة سياسيّة، فهي ابنة وزير أعلى للبلاد، وحفيدة أبرز الأعضاء في المجلس التشريعي للبلاد. بارون القادمة من السلك القانوني، هي محامية لامعة، تنقلت في مناصب عدة في وزارة الخارجية، إحداها في ​بريطانيا​، قبل تبوّئها منصب وزيرة لخارجية الكومنولث-دومينيكا.

أنجزنا الكثير، وينقصنا الكثير أيضاً. ان الكارثة الطبيعيّة التي ضربت جزيرتنا لم تكن بسيطة او عابرة، لقد قضت على كل مقدّرات البلد. هكذا استهلت الوزيرة بارون حديثها عن بلادها. وأكدت أن مؤتمر الدول المانحة الذي عُقد في منظمة الأمم المتحدة في تشرين الثاني ٢٠١٧، منحنا مساعدات كثيرة للنهوض من هذه الكارثة التي قضت على كل المنازل والمؤسسات، حتى ان مبنى رئاسة الوزارة لم يسلم منها.

ان إعصار ماريا الذي ضرب دول وجزر الكاريبي، أسفر عن خسارة قُدّرت بـ٢ مليار دولار، تحتاج منهاالجزيرة مليارا واحدا لها. براون أكدت أنه على الرغم من المساعدات الماليّة الكبيرة التي أُرسِلت لدومينيكا، لم يصل المبلغ الى المليار.

وأضافت، لقد أنجزنا الأساس في عملية إعمار بلدنا. عملنا لفترة أشهر في عملية تنظيف الشوراع والمؤسسات والبيوت من آثار الدمار، كذلك استعدنا ​التيار الكهربائي​ بعد انقطاع لفترة عن مناطق كثيرة من البلاد، كذلك استعدنا عملية إيصال المياه الى كل مكان، وإصلاح شبكات الهاتف تدريجياً في المناطق، غير أننا ما زلنا نعاني من مسألة الإنترنت، على أمل أن تعود التغطية لتشمل كل زاوية من الجزيرة.

وشرحت براون كيفية إعادة إعمار البلاد على أسس جديدة عصرية تواجه تغيّرات المناخ والكوارث المستقبلية، إذ أنه لا يكفي إعمار الحجر للزينة إنما على أسس علميّة هندسية لمواجهة تحديّات المناخ الطبيعية. كما أن وزارة الشؤون الداخليّة تفرض دروساً وثقافة جديدة تبثّها في داخل المجتمع الدومينكي، لتهيّئ المواطنين وتدرّبهم على كيفية مواجهة الكوارث الطبيعية، انطلاقاً ممّاعاشته البلاد في أيلول ٢٠١٧.

بلدي أجمل بلد في العالم

هكذا ردّت الوزيرة براون على سؤال "النشرة" عن وصفها لبلدها. دومينيكا هي أجمل بلد في العالم. فدعت العالم الى زيارة هذه الجزيرة الخلاّبة بمناظرها الطبيعيّة الفريدة. فالجزيرة تمتاز بفرادة مياهها البركانيّة التي تُشعر الإنسان الذي يسبح في مياهها وكأنه يسبح في بحر من الشامبانيا، كما أن روّاد الهايكنغ لن يجدوا أجمل من المنحدرات والجبال الخضراء لممارسة هوايتهم، ناهيكم عن التلال المطلّة على البحر الكاريبي والتي تجمع بين زرقة السماء الصافية وخُضرة الأشجار النقيّة، فتجعل من الجزيرة لوحة رائعة صُنعت بيد الخالق بجمال ونقاوة.

تعتمد جزيرة الموز والقمم البركانية والطيور الفريدة في اقتصادها على ​الزراعة​، وخاصة زراعة الموز، ودعاية ​السياحة​ لإستقطاب روّادها، للتمتّع في النشاطات المائيّة من شلاّلات مياه الى بحيرة الغليان وهي أشهر الينابيع الساخنة في العالم، كما تتيح جزيرة دومينيكا للسائح فرصاً رائعة في رياضة الغطس على أنواعه، في طقس جميل على مدار السنة.

وعن موضوع الإستثمار في البلاد أكدت الوزيرة فرانسين براون ان الكومنولث اوف دومينيكا هي بلد مضياف ويرحّب بكافة أنواع الإستثمارات ضمن الشروط القانونيّة، وقد نشطت مؤخراً حركة إنشاء وترميم الفنادق لإستقبال السوّاح وتقديم أرقى الخدمات لهم. كماوتقدم دومينيكا برنامج المواطنة عبر الإستثمار مدعوماً بالقانون وهي عملية تُكسِب المستثمر جنسية البلاد دون التنازل عن الجنسيّة الأصليّة. وهذا القانون الذي صدر عام ١٩٩٣ أعطى فرصة للمستثمرين في العالم باستثمار أموالهم في أرض خصبة وأعطى بلادنا دفعاً باتجاه النمو الإقتصادي. ومن أجل التقديم لطلب جنسية دومينيكا عن طريق البرنامج الإستثماري، سوف تحتاج لإستثمار ٢٠٠ ألف دولار أميركي او التبرّع بمبلغ ١٠٠ ألف لصالح الحكومة الدومينيكيّة.

لم تمرّ كلمة الوزيرة فرانسين براون مرورا هامشياً في الدورة ٧٣ لأعمال الجمعيّة العامة للأمم المتّحدة، لأنها تناولت موضوعاً يهمّ كل دول العالم. فإنطلاقاً من تجربة بلدها الذي ما زال ينهض من تحت رماد خراب إعصار ماريا، رفعت صوتها الى الأمم منادية بالحفاظ على البيئة النظيفة وطالبت الوزيرة الدول كافة أن تنشئ صندوق دعم خاص لمساعدة الدول التي تتعرّض لكوارث طبيعية، بحيث تستفيد كل دولة تلقائياً بدل أن تُعقد المؤتمرات للدول المانحة في كل مرة، ولا تكفي التبرعات في هذا الإجراء إصلاح ربع ما تهدّم.

وعن أزمة ​الشرق الأوسط​، أكدت أن بلادها وإن كانت بعيدة جغرافياً عن ​العالم العربي​، انما هي معنيّة بتطورات المنطقة، وتأمل أن يحلّ السلام فيها في أقرب وقت، مؤكدة ان بناء عملية السلام تستلزم حواراً جدياً بين الأفرقاء بدل الحوار عبر العنف وآلة القتل. وأضافت بأن بلادها ترفض بشكل قاطع لغة الحروب، وهي من منطلق مركزها المسؤول ومن إحساسها كإنسانة، ترفض فكرة زهق الأرواح وقتل المدنيين مهما كانت الظروف والأسباب وتدعو الى الحوار العقلاني الهادئ رأفة بالبشرية .

وعن العلاقات الدبلوماسية لدولة الكومنولث اوف دومينيكا مع الدول العربية، صرّحت وزيرة الخارجية أن بلادها تقيم أفضل العلاقات اليوم مع ​المغرب​ و​الإمارات​ وتأمل الى مزيد من التعاون مع كل البلدان العربية.

ال​لبنان​يون في الجزيرة...

منذ أيام الهجرة الأولى حين حكمالعثمانيون لبنان لمدة أربعة قرون، انطلقت موجة الهجرة الأولى الى بلاد الله الواسعة. فمن افريقيا الى ​اوستراليا​ الى الأميركيتين، انتشر اللبنانيون المهاجرون مسلّحين بعزم قوي وإيمان كبير بتأسيس عمل جديد لهم ومستقبل أفضل لأولادهم. إحدى وجهات تلك الهجرة منذ أواخر القرن التاسع عشر، كانت الى جزر البحر الكاريبي. ومن خلال أسماء العائلات التي هاجرت الى دومينيكا منذ أكثر من قرن، أمثال: رفّول، عيسى، كرم، اسطفان وناصيف وغيرهم... يتبيّن لنا أن هذه العائلات انحدرت من منطقة ​شمال لبنان​ وتحديداً منطقة زغرتا-إهدن. ويعتبر اللبنانيون في دومينيكا من أهم رجال الأعمال وأصحاب المؤسسات التجاريّة الكبيرة الداعمة لإقتصاد دولة دومينيكا. وتعترف الوزيرة براون بأن اللبنانيين في بلادها من رجال الأعمال الأكفّاء الذين تفتخر بهم بلادها، وهي تعتبرهم مواطنيها من أصل لبناني قائلة: لقد أتوا مهاجرين من لبنان قبل مئة عام، اما اليوم فهم دومينيكيّون مع أولادهم ونحن نفتخر بهم ونتعز بإنجازاتهم.

أجرت الحوار سمر نادر-نيويورك