هناك انطباع لدى «التيار الوطني الحر» بأنه على وشك حسم معركة ​الحكومة​ لمصلحته، فالرئيس ​سعد الحريري​ والثنائي الشيعي و​وليد جنبلاط​ و​سليمان فرنجية​ «دبَّروا رؤوسهم» جميعاً، وما على «القوات ال​لبنان​ية» إلّا أن تختار: «تمشي» أم «تطير»؟

يسود اقتناع في أوساط «التيار» بأنّ الحريري سيعلن الحكومة في مدى زمني لن يتجاوز غداً الثلاثاء، أيّاً كان الوضع، وأيّاً كان خيار «القوات». وهذا القرار أبلغه الحريري إلى قيادة «القوات» رسمياً، وهو ينتظر منها الجواب في الساعات المقبلة.

وثمة مَن يعتقد أنّ زيارة الحريري الخاصة للأردن تهدف، في جانب منها، إلى منح «القوات» هامشاً من الوقت، لكي تجد - خلال «الويك إند» أو الساعات القليلة المقبلة - صيغة مناسبة للإبلاغ عن موقفها، بعد مشاورات مكثّفة تجريها على المستوى القيادي.

ووفق الأوساط، ستحرص «القوات» على المشاركة في الحكومة، وهي ستختار إحدى صيغتين: إمّا التخلّي عن موقع نائب رئيس الحكومة مقابل الحصول على 4 حقائب، قد تكون إحداها ​وزارة العمل​. وإمّا الاحتفاظ بموقع نائب رئيس الحكومة والحصول على 3 حقائب ليس بينها وزارة خدماتية أساسية.

فالوقت لم يعد يسمح بمفاوضات جديدة على الحصص. وقطار الحكومة سينطلق، ولو شاء الأمر أن تكون انطلاقته بمَن حضر.

وتؤكد الأوساط أنّ ثمة حرصاً من الجميع على أن تتمثّل «القوات» في الحكومة لتوفير أوسع تغطية وطنية، في حكومة ستُلقى على كاهلها مسؤوليات حسّاسة. كما أنّ «التيار» لم يقف مرة حَجر عثرة في وجه حصولها على حقّها الكامل في التمثيل. ولكن، تضيف، ليس منطقياً أن تطالب «القوات» بتمثيل يفوق حجمها في ​المجلس النيابي​، أو أن تكون حصتها على حساب حصة ​رئيس الجمهورية​.

وتقول أوساط «التيار» ان لا شيء محسوماً في هذا الشأن. ولكن، إذا تمّ التفاهم على تمثيل سنّة ​8 آذار​ بوزير من ضمن حصة رئيس الجمهورية، فالرئيس هو الذي يختاره. وهنا طرحت الأوساط إسم فادي عسلي. وفي المقابل، يقوم الحريري بتسمية وزير مسيحي.

في ظل هذه المعطيات، تُجري أوساط «التيار» جردة حساب للأرباح والخسائر في معسكر ​14 آذار​ («المستقبل» و»القوات» تحديداً)، بين الحجم المنتظر أن يكون له في الحكومة بعد تأخير 5 أشهر على ولادتها، والحجم الذي كان يمكن أن يحظى به لو تشكّلت الحكومة في المراحل الأولى من التكليف؟

في تقدير الأوساط أنّ المماطلة التي اعتمدها فريق الحريري - «القوات»- جنبلاط لأشهر عدّة لم تقدّم له أي إيجابية، بل على العكس، إنّ المكاسب التي كان يمكن أن يحققها هذا الفريق قبل أشهر، بنوعية الحقائب وحتى بعددها، خسر اليوم كثيراً منها.

فهذا الفريق راهنَ على تحوّلات واستحقاقات محلية وإقليمية ودولية يمكن أن تُحسِّن من شروطه في التفاوض وتُضعِف الأطراف الأخرى، ولكن تبيَّن أن هذه المراهنة خاسرة. فالضغوط الاقتصادية والسياسية على ​طهران​، والضغوط العسكرية والسياسية على دمشق، لم تسمحا بتقوية محور على آخر في لبنان.

وعلى العكس، تضيف الأوساط، طرأت تطورات إقليمية أضعفت المحور المقابل، ومعها تراجَع حلفاؤه في لبنان واضطروا إلى الرضوخ للواقع في الملف الحكومي. وهذا النموذج من المراهنة يعتمده فريق 14 آذار منذ 2006. ومن حكومة إلى أخرى، تراجعت قدرات هذا الفريق بسبب المراهنة على تطورات خارجية كان ينتظر أن تنعكس خلطاً لموازين القوى في الداخل.

وفي رأي الأوساط أنّ «القوات» حظيت بتمثيل نوعي غير مسبوق في الحكومة الحالية بسبب تحالفها مع «التيار الوطني الحر»، كما أنها استطاعت المشاركة في إعداد ​قانون الانتخاب​ الجديد الذي أوصلَ إلى المجلس النيابي كتلة نيابية «قواتية» تضم 15 عضواً. وصحيح أن هذا التحالف يتضمن أيضاً دعم «القوات» لانتخاب ​الرئيس ميشال عون​ وتأييد العهد، إلّا أن الكسب الذي حققته «القوات» خلال هذا العهد هو نموذج تقتضي مصلحتها أن تتبعه دائماً.

وتعتقد أوساط «التيار» أنّ «القوات» ساهمت في دفع الحريري إلى التصَلّب في عملية التأليف منذ اليوم الأول، إنتظاراً لتطورات إقليمية ودولية مؤاتية، بدعمٍ من بعض القوى العربية والدولية، وأنه لم يكن قادراً على مواجهة الضغوط «القواتية» التي تحظى بتغطية بعض القوى الخارجية.

ووفق الأوساط، حصل الحريري على ​الضوء​ الأخضر الخارجي لتأليف الحكومة وفق التوازنات القائمة، وهو لطالما انتظر هذه اللحظة ليتحرّر من الضغوط، ويستعيد النهج الذي قامت عليه التسوية منذ 2016.