"إذا اعتُمِدت قاعدة التمثيل السنّي من خارج تيار المستقبل لن نرضى إلا بتمثيل النواب المسيحيين الـ 19 من خارج كتل القوات اللبنانيةوالتيار الوطني الحر وتيار المردة".

بهذه التغريدة، حاول عضو كتلة "المستقبل" النائب ​هادي حبيش​ إدخال "عقدة" جديدة في ساعات "المخاض" الأخيرة التي تسبق ولادة الحكومة، بحسب المؤشرات الظاهرة، أو لعلّه سعى بشكل أو بآخر، إلى إطفاء "عقدة" قديمة جديدة تتمحور حول تمثيل سُنّة المعارضة، غير المنتمين إلى "تيار المستقبل".

لكن، وبمعزلٍ عن الأهداف والنوايا، تُطرح العديد من علامات الاستفهام، فعن أيّ "مسيحيين مستقلين" يتحدّث النائب "المستقبليّ"؟ وهل "تستقيم" معادلته هذه؟ وكيف ذلك؟.

من يقصد حبيش؟

يتحدّث النائب هادي حبيش عن 19 نائباً مسيحياً يصفهم بـ"المستقلين"، لجهة عدم انتمائهم إلى التيارات المسيحيّة الأساسيّة، مثل "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" و"تيار المردة". فمن هم هؤلاء النواب؟ وما الذي يجمعهم؟.

لا شكّ أنّ الرقم يبدو للوهلة الأولى مفاجئاً ومبالَغاً به، خصوصاً أنّ إحدى النتائج التي أفرزتها الانتخابات النيابية الأخيرة تمثّلت بإقصاء "المستقلّين" عن المشهد بصورة أو بأخرى، بدليل خروج أسماء لطالما كانت جزءاً من البرلمان، وكانت تحظى بالتمثيل في الحكومة نتيجة لذلك، على غرار النائبين بطرس حرب وميشال فرعون على سبيل المثال.

لكن، بعد التدقيق والتمحيص، يتبيّن أنّ النواب الذين يتحدّث عنهم حبيش، ينتمون عملياً إلى تكتّلاتٍ عدّة متباينة، لا يزيد عدد أعضاء كلّ منها عن الثلاثة في الحد الأقصى، كما في حال حزب "الكتائب اللبنانية" (سامي الجميل والياس حنكش ونديم الجميل)، و"تيار المستقبل" (هادي حبيش وهنري شديد ونزيه نجم)، و"الحزب السوري القومي الاجتماعي" (​أسعد حردان​ و​سليم سعادة​ وألبير منصور).

وتشمل لائحة "المستقلين"، وفق تصنيف حبيش أيضاً، عدداً من النواب المنتمين إلى كتلة "اللقاء الديمقراطي" وحزب "العزم"، بالإضافة إلى من يمكن وصفهم فعلاً بـ"المستقلين"، من دون إمكان وضعهم في خانة واحدة بطبيعة الحال، على غرار النائب ميشال المرّ، وممثلة حزب "سبعة" أو المجتمع المدني بولا يعقوبيان، والنائب الأرمني عن زحلة إدي دمرجيان، وغيرهم.

مقارنة في غير محلّها

عموماً، وببساطة شديدة، يبدو واضحاً أنّ الحديث عن 19 نائباً مسيحياً مستقلاً يحمل من "المبالغة" ما يجعل التصنيف غير واقعيّ من الأساس، إذ إنّ هؤلاء يشملون "المتناقضات" بأتمّ معنى الكلمة، بما لا يجعل تكتّلهم ولو في "كتلة اصطناعيّة" واحدة بغرض المطالبة بالتمثيل ليس إلا، واقعياً بأيّ شكلٍ من الأشكال.

وفي هذا السياق، يُطرَح السؤال، ما الذي يمكن أن يجمع مثلاً "تيار المستقبل" و"الحزب السوري القومي الاجتماعي" على سبيل المثال، أو حتى كتلة "العزم" التي لم تطالب أصلاً بتمثيل "سُنّي" باعتبار أنّ رئيس الحكومة السابق ​نجيب ميقاتي​ هو من يرأسها، حتى تطالب بحصّةٍ مسيحيّة؟ وهل تقبل النائب بولا يعقوبيان مثلاً التي أتت من خارج الاصطفافات أن توضَع في خانةٍ واحدةٍ مع نوابٍ يمثّلون الأحزاب التقليديّة، التي اختارت محاربتها أصلاً؟.

وانطلاقاً من هذه الأسئلة المحوريّة والجوهريّة، يمكن القول إنّ المقارنة لا تستقيم بين من يسمّيهم حبيش "مسيحيين مستقلين" وبين "سُنّة المعارضة"، أو "سُنّة 8 آذار" بوجهٍ أدقّ، والتسمية كافية للدلالة على ذلك، باعتبار أنّ هناك ما يجمع هؤلاء النواب، بمعزلٍ عمّا إذا كان من حقّهم أن يطالبوا بحصّةٍ مستقلّة أم لا، فهم متفقون استراتيجياً على الأقلّ، كما أنّ ستّة منهم يعقدون اجتماعاتٍ دوريّة، فيما لم يُرصَد أيّ اجتماع "جامعٍ" للمسيحيين "المستقلين"، ومن المستبعد أن يحصل ذلك.

ولعلّ نقطة جوهرية يبدو أنّ حبيش تناساها تتمثّل في أنّ معظم "المستقلين" الذين يتحدّث عنهم إما ينتمون إلى كتلٍ حصلت على تمثيلها أصلاً باحتساب هؤلاء النواب ضمن حصّتها، على غرار "تيار المستقبل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي"، أو أنّهم آثروا على نفسهم منذ البدء عدم الدخول في "البازار الحكومي" من أصله، واختاروا التموضع في صفوف المعارضة، كما هو حال حزب "الكتائب" والنائب يعقوبيان مثلاً، ولا يُعتقَد أنّ هؤلاء في وارد تغيير موقفهم في اللحظات الأخيرة.

وإذا كان الأمر نفسه ينطبق على بعض "سُنّة المعارضة" على غرار رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي والنواب ​فؤاد مخزومي​ و​أسامة سعد​ و​بلال عبد الله​، فإنّ هؤلاء انسحبوا "طوعاً" من الصورة، ولم ينضمّوا إلى الكتلة السداسيّة التي تشكّلت للمطالبة بالتمثيل، علماً أنّ المطالب تتمحور حول تمثيل النوّاب الستّة الذين تلاقوا واتّحدوا، وليس النواب العشرة الذين قد لا يلتقون ولو بالمفرّق، وهنا فارق جوهري وأساسي.

دعم للحريري

لا شكّ أنّ هناك وجهتي نظر في موضوع "سُنّة المعارضة" حوّلته إلى "عقدة" جدية في مسار تأليف الحكومة، بين رأيين متناقضين، الأول يقول إنّ الكتلة السداسيّة التي شكّلوها هي "اصطناعية"، خصوصاً أنّ معظمهم ينتمون إلى كتلٍ أخرى حصلت على "حصصها"، والثاني يقول إنّ المعايير التي انتهجها رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ تنطبق عليهم، وبالتالي فإنّ تمثيلهم حقٌ بديهيٌ لهم.

لكن، بمعزل عن كلّ التباينات والتناقضات، ولأنّ وضع "المسيحيين المستقلين" في مواجهتهم يفتقد إلى معايير "المنطق"، فإنّ الحدّ الأدنى من "الواقعية السياسيّة" يفترض أنّ الهدف من طرح حبيش ليس سوى "المناورة" لدعم الحريري، وبالتّالي قطع الطريق على تمثيل "سُنّة المعارضة" من حصّته، بعدما بات واضحاً أنّ الأمر يمثّل "خطاً أحمر" بالنسبة للحريري بأتمّ معنى الكلمة.