مضى يومان على اعلان القوّات اللبنانية على لسان رئيسها ​سمير جعجع​ موافقتها على الانضمام الى الحكومة العتيدة، ورغم ان جعجع لم ينجح في الاقناع بأن القوات لم تكن طوال الفترة السابقة هي العقبة امام ​تشكيل الحكومة​، خصوصاً وانه اعترف بذلك خلال مؤتمره الصحافي، الا انه تسلّم منذ يومين ايضاً "صك براءة" اعطته اياه ما يعرف بالـ"معارضة السنيّة" التي طالبت بالتمثّل بالحكومة.

وفيما اعتقد الجميع ان العقدة المسيحية المتمثلة بـ"القوات" كانت آخر عقبات تشكيل الحكومة، تبيّن ان الامر غير صحيح، وان عقدة "المعارضة السنّية" هي التي باتت الحاجز الاخير امام الحكومة. وبغض النظر عن احقيّة هؤلاء النواب بالتمثل بوزير ام لا، فإن ابرازهم كمعرقل للتشكيل يضع الامور في منظار مختلف. فمن المسلّم به ان هؤلاء لا يمكنهم من تلقاء انفسهم منع ابصار الحكومة النور، وانه لولا دعم "​حزب الله​" لهم لما تأخرت الحكومة عن اعلان تقديم نفسها في 29 او 30 من الشهر الحالي.

هذا ما وصلت اليه الامور، ويبدو ان اكثر المحرجين من هذا الامر هو رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ الذي يرغب في الاسراع في تشكيل الحكومة اكثر من اي وقت مضى، وهناك من يرى ان قربه من "حزب الله" يجعله قادرا على التدخل في الموضوع لحلّه، وان الكرة في ملعبه كما كانت في ملعب رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​ من اجل حلّ العقدة القواتية. ولا شك ان تدخل الرئيس من اجل توزير احد المعارضين السنّة سيضعه في موقف حرج امام الحريري الذي سيعتبر الخطوة موجهة ضده وتدخلاً في شؤون الطائفة السنّية ومشاكلها، فيما عمل هو على عدم احراج رئيس الجمهورية من خلال التنسيق الدائم معه في عملية التشكيل، حتى في ذروة سوء التفاهم الذي ساد لبعض الوقت منذ اشهر قليلة.

اما عدم العمل على تأمين وزير سنّي معارض، فسيضعه امام احراج حزب الله الذي اعطى كلمته للنواب وحصل على تأييد رئيس مجلس النواب نبيه بري لمطلبهم، ولكن الحزب ذهب الى النهاية في وقوفه الى جانبهم عبر اصراره على عدم تسليم اسماء وزرائه قبل تلبية مطلبهم. وعليه، يكون "المعارضون السنّة" قد عملوا من حيث لا يدرون، على ابعاد الانظار عن القوات اللبنانيّة التي كانت لفترة طويلة سبباً رئيسياً للحؤول دون ولادة الحكومة، وتوجيهها الى قصر بعبدا لمعرفة الموقف الذي سيصدر عن الرئيس عون مع الاخذ في الاعتبار العلاقة التي تربطه بـ"حزب الله" الذي دخل على الخط بقوة.

اضافة الى ذلك، سمحت هذه الظروف بصدور كلام في الكواليس عن مدى التدخل الخارجي في التشكيل، حيث اعتبر مؤيدو معسكر 14 آذار انه ما حكي عن عرقلة خارجيّة عبر السعودية للحكومة، ذهب بمجرد تسليم القوات اسماء وزرائها الى الحريري، فيما تبيّن ان ايران هي القوة الخارجية المعرقلة للتشكيل تأميناً لمصالحها، على حد تعبير مؤيدي خط 14 آذار.

من المؤكد ان الحريري ليس في وارد المواجهة مع حزب الله وبري، وفيما لن يكون من السهل نقل الكرة من ملعب الحزب، يبقى الرئيس عون في موقف لا يحسد عليه، علماً ان القضية ليست قضيّته وهو غير معنيّ بها الا من باب علاقاته واتصالاته السياسيّة وموقعه الدستوري الذي يفرض عليه التوقيع على التشكيلة الحكومية لتسلك مسارها نحو طي آخر صفحة من صفحات ​السنة​ الثانية للعهد، والانطلاق الى صفحة جديدة تعلن بداية السنة الثالثة التي توصل نهايتها الى نصف عمر الولاية الرئاسية، رغم ان الكثيرين يعتقدون بأن العرقلة الاخيرة للحكومة لن تأخذ وقتاً طويلاً لحلّها، فهل يصدُقون؟.