من العقبات الَّتي واجهتها مسيرة القضاء على الفساد في الصِّين، تفسير الإعلام الغربيِّ لها بأَنَّها "ولادةٌ لماو تسي تونغ جديدٍ"، ما اضطرَّ "الماكينة التَّوجيهيَّة الإِعلاميَّة الصِّينيَّة إلى التَّحرُّك سريعًا في هذا المجال. وأيُّ مسيرةٍ إِصلاحيَّةٍ في أَيِّ بلدٍ، تكون دونَها عقباتٌ جمَّة.

وعلى رغم أَنَّ مُحاربة الفساد منذ الولاية الأُولى للرَّئيس الصِّينيِّ ​شي جين بينغ​ كانت أَكثر من ناجحةٍ، لناحية التَّصدَّي لَهُ، غيرَ أَنَّ الإِعلام الآخَر صوَّرها وكأَنَّ ما يُجرى لا يتعدَّى كَونه "صِراع أجنحةٍ بين مُوالٍ لـِ شي ومعارضٍ لَه"، وهذه عقبةٌ ثانيةٌ غيرَ أنَّها لَم تنلْ مِن مسيرة محاربةِ الفَساد في الصِّين. ولكنَّ السُّؤال: ماذا يفعلُ بلدٌ ك​لبنان​، في ظلِّ التَّصارع الحزبيِّ على مغانم فرديَّة، حيثُ تَجد فطريَّات الفساد أَلف وسيلةٍ ووسيلةٍ لحماية نفسِها، كما وتجد ألف داعمٍ وداعمٍ للفساد، انطلاقًا من أبعادٍ مذهبيَّةٍ وطائفيَّةٍ؟.

ومن المحاذير الَّتي يجب أَخذها في الاعتبار، أَنْ تتوقَّف الحملة ضدّ الفساد، بسبب تَغييرٍ في القيادةِ، إذ إِنَّ المسيرة هذه، ينبغي أَلاَّ تنتهي مع انتهاء عهد الرَّئيس... ومن هُنا أهميَّة معالجة مشكلة الفساد جذريًّا. وتشير الدِّراسات الَّتي أَعدَّها الأميركيُّون إِلى أَنَّ كلفة الفساد في الصِّين كانَت تبتلع ١٠ في المئة من النَّاتج القوميِّ الدَّاخليّ. غيرَ أنَّ الصِّين وصلَت إلى قناعةٍ مفادُها أَنَّ شرط اقتلاع الفساد، يتجلّى في استقرار القيادة الصِّينيَّة، "وعلى رأسها وجهُ رجلٍ واحدٍ".

ولأَنَّ "شَطْفَ الدَّرج" وإِنْ بَدَأَ من الأَعلى إِلاَّ أَنَّ هَدفه الانْسِحاب على العَتبات السُّفلى، فقد أَنشأَت الصِّين "لجنةً عُليا لمراقبة موظَّفي الدَّولة"، بَيْدَ أَنَّ القرار تعرَّض لنقدٍ شديدٍ في الخارج، مع العِلم أَنَّ اللَّجنة تلك لا تتعدَّى كونها هيئةً من هيئاتِ الدَّولةِ، وإِنْ بِصلاحياتٍ وزاريَّةٍ، تعمل على مستوى المركز والمقاطعات الصِّينيَّةِ. ومُستويات الفساد الَّذي شهدَته الصِّين، تحتاج إِلى مُتابعة الحملة لعقدين من الزَّمنِ، كي يَكتمل تطهير الدَّولة ومؤسَّساتها. ولكلِّ دولةٍ زمنٌ ورزنامةٌ ينبغي تحديدهما وصولاً إِلى التَّطهير الكامل والشَّامل من الفساد...

وفي المُقابل، يَعترف بعض دول الغرب، بعجزه عن التَّخلُّص من الفساد، غير أَنَّ في وِسعه "السَّيطرة عليه، وردِّه إِلى حدِّه الأَدنى". وإِذا أَرادت دولةٌ ما، التَّوصُّل إِلى بناء مجتمعِ الرَّخاء المُتوسِّط، فعليها أَيضًا بِالإِصلاحات الاجتماعيَّة، وإِلاَّ فستكون مسيرتُها في ​محاربة الفساد​، كالأَعرج الواقف على قدمٍ واحدةٍ... كما وأَنَّ الدِّفاع عن البيئة مرتبطٌ أيضًا ب​مكافحة الفساد​، إِذ انَّ "الكثير من مشاكل البيئة سببُها عدم احترام المعايير البيئيَّة من الشَّرِكات الَّتي تدفع الرَّشاوى إِلى المسؤولين الصِّينيِّين. كما ودرس الرَّئيس الصِّينيُّ ومستشاروه إِشكالات الدِّيمقراطيَّات المُرتبطة بتداول السُّلطة، وباتوا يُدركون أَنَّ نقطة الضِّعف الرَّئيسيَّة في الهند وبعض دول أُوروبا مثلاً، تكمنُ في التَّغيُّر المستمرِّ في التَّوجُّهات السِّياسيَّةِ مع كلِّ تبديلٍ في الفريق الحاكم.

ومن يطَّلع على تاريخ الصِّين الحديث، يستوقفه في السَّنوات الماضية ازدهار رأسماليَّة لا ضوابط لها، تضاعفَت آثارُها الاجتماعيَّة مع الفساد، وتكوَّنت ثرواتٌ ضخمةٌ بفضل الفساد، مع تجاهلٍ تامٍّ لمشكلات السكَّان خارج المدن الكبرى. ويُروى عن قياديٍّ في "الحزب الشُّيوعيّ" قوله: "إِنَّ نصف كوادر الحزب الآن، هم من شبَّان المُدن الَّذين انتسبوا إِليه لمنفعةٍ ذاتيَّةٍ... وهمُّهم الأَوَّل هو ارتقاؤهم في الحزب والمنافع الَّتي يُمكن أَنْ يحصلوا عليها". إذًا قد تسلَّل شَبح الفسادِ بقوَّةٍ إِلى صمام أَمان الحزب الحاكم في الصِّين، غير أَنَّ مسيرة الإِصلاح لم تتوقَّف... لقد كان قرار الرَّئيس الصِّينيّ شي جين بينغ بوضع حدٍّ للانحراف الانتهازيِّ للحزب، غير قابلٍ للمساومة، لا بل إنَّ المطلوب العودة به إِلى الينابيع الأولى. وللحديثِ صلة.