ما كادت الحكومة العتيدة تصل إلى عتبة الدار حتى ظهرت عقبة كان يعتقد بأنها لن تكون عقدة أساسية تستطيع فرملة الاندفاع في اتجاه التأليف إلا أنه حصل العكس وأدخلت هذه العقدة الساحة السياسية مجدداً في حالة من اللاتوازن والارباك حيث برزت معطيات غير مريحة من خلال المواقف التي أطلقت والمتصلة بما يعرف توزير أحد أعضاء النواب السنّة ممن هم خارج سرب «تيار المستقبل»، ففي الوقت الذي لوّح فيه الرئيس المكلف ​سعد الحريري​ بالاعتذار على ان يعطي هؤلاء من حصته، فإن «حزب الله» ومعه فريق الثامن من آذار ضرب رجله في الأرض مؤكداً ان لا مشاركة في الحكومة ما لم يكن النواب السنّة ممثلين بوزير في الحكومة، وبذلك تكون عجلة التأليف قد تراجعت خطوة وربما خطوات إلى الوراء، بعد ان كان من المنتظر ان تسبق ولادة هذه الحكومة دخول العهد سنته الثالثة.

واللافت ان تكتل «لبنان القوي» الذي كان يستعجل مسألة التأليف، أمل بعد اجتماعه أمس ان لا يطول ​تشكيل الحكومة​ أكثر من أيام، في إشارة واضحة إلى ان المناخات التفاؤلية التي سادت الساحة السياسية في أعقاب حلحلة عقدة «القوات» بعد اتخاذها قرار المشاركة في الحكومة بمعزل عن استيائها مما اعطي لها من حصص وزارية، قد تبددت أو تراجعت إلى حدِّ بات معها يتوجّب القيام بمروحة جديدة من الاتصالات والمشاورات لحل العقدة السنيّة المتمثلة بالنواب السنّة والحشد الموجود خلفهم من قِبل قوى الثامن من آذار التي طالبت في اليوم الأوّل من رحلة التأليف بضرورة تمثيل هؤلاء في الحكومة كونهم يمثلون في اعتقادهم أربعين في المئة من التمثيل على الساحة السنيّة.

وإذا كان منسوب التفاؤل لم ينخفض عند البعض ممن يتابعون أو يشاركون في مسار التأليف رغم ما برز من عوائق في الساعات الماضية، غير ان هناك من ذهب إلى حدّ الاعتقاد بأن هناك ربما قطبة مخفية ما تزال مجهولة على بعض المشاركين في الطبخة الحكومية، وهذا الأمر قد يدفع الواقع الحكومي مجدداً إلى المربع الأول وهذا بالتأكيد في حال حصوله ستكون له عواقب وخيمة على لبنان سيما وان هناك ضغوطاً دولية كبيرة على لبنان لتأليف حكومة تكون قادرة على توظيف ما هو مقرر من مساعدات دولية للبنان، وإلا فإن هذه المساعدات في حال طال أمر التأليف ستذهب في مهب الريح ويدخل معها لبنان في أزمة اقتصادية وربما مالية لم يألفها حتى في عز الحرب الأهلية. وفي هذا السياق أعلن ​البنك الدولي​ في تقريره «المرصد الاقتصادي اللبناني» لخريف 2018 ان «إطار المخاطر الخاص بلبنان يرتفع بشكل حاد، مشيراً إلى ان فائدة بعض الأدوات التي يستخدمها ​المصرف المركزي​ تستنفد بعد سنوات من التطبيق».

وليس البنك الدولي وحده يحذر من مخاطر اقتصادية تنتظر لبنان بفعل السلوك السياسي القائم والذي يحول دون تأليف الحكومة، حيث ان هناك خبراء اقتصاديين يؤكدون بأن تأليف الحكومة أصبح ضرورة وخطوة ملحة لانطلاق الحل الاقتصادي، كاشفين عن أرقام اقتصادية مقلقة لا يستطيع ان يتحمل تبعاتها أي من السياسيين، مؤكدين بأن المعالجة الاقتصادية تبدأ بالحل السياسي الذي يترجم بحكومة متجانسة ومتفاهمة تحاول مواجهة التحديات القائمة وتحقق مقررات مؤتمر «سيدر».

وإذا كانت المقرات الرئاسية الثلاثة لم تهدأ في الساعات الماضية بفعل الاجتماعات والمشاورات العلنية والسرية، فإن المعطيات التي تجمعت نتيجة ذلك لا تبشر بالخير، لا بل تبعث على الخوف من ان نكون قد عدنا خطوات كثيرة إلى الوراء في ما يتعلق بالتأليف، حيث اشتدت معركة عض الأصابع وشد الحبال في ما خص «سنّة 8 آذار»، ووصل الأمر إلى حدّ الخوف لدى بعض المتابعين من أن يؤدي ما يحصل إلى وصول الرئيس المكلف إلى مرحلة يعلن فيها اعتذاره عن التأليف، وان كانت بعض المصادر تسقط من حساباتها هذا الموضوع كون ان لا بديل لدى كل الأفرقاء السياسيين عن الحريري كرئيس للحكومة العتيدة، اللهم إلا إذا كان هناك ما هو خافٍ وهو على صلة بعوامل إقليمية ودولية.

وقد عبّر رئيس ​مجلس النواب​ نبيه برّي بالأمس عن استيائه لما آلت إليه مشاورات التأليف، وهو قال بعد ساعات قليلة من اجتماعه مع «لقاء النواب السنّة المستقلين»: «يا خوفي ان يؤدي العناد في رفض توزير سنّي من المستقلين إلى إعادة تعقيد الأمور وتأخير الولادة».

هذا الكلام لم يكن الرئيس برّي ليقوله في عز اشتداد عملية شد الحبال حول هذه النقطة لو لم تكن قد تجمعت لديه معطيات لم يرتح إليها، خصوصاً وانه كان ينتظر يوم الأحد الفائت ان يصعد إلى ​قصر بعبدا​ ليتم إعلان مراسيم الحكومة العتيدة، وعلى ما يبدو فإن الرئيس برّي ليس بصدد إخراج أية حلول سحرية من جيبه كالعادة في مثل هذه المحطات وهو عبّر عن ذلك بقوله ممازحاً: «هناك أكثر من عشرة يشاركون في تأليف الحكومة وأنا لست واحداً منهم».