منذ أشهر سرت شائعات تتحدّث عن إنهيار الوضع النقدي وهبوط سعر صرف الليرة وغيرها من الأمور، التي أثارت الهلع حتى بات البعض يعتقد أن الوضع في ​لبنان​ سيشبه اليونان، والبعض الآخر ذهب أبعد من ذلك ليشبّه الوضع اللبناني النقدي القادم بالوضع التركي بعد إنهيار العملة...

لا شكّ أن لبنان يمرّ بأزمة ولكنها لم تبدأ من اليوم أو البارحة، هذه الأزمة عمرها سنوات فما الذي تغيّر خلال ثلاثة أو أربعة أشهر حتى فجأة "قامت الدنيا ولم تقعد"، وكلّ الكلام الذي يسري يصوّب في إتجاه واحد وهو الإنهيار المالي وصولاً الى حدّ الإفلاس. فما حقيقة هذا الكلام، وكيف أثّرت هذه الحملة على ​القطاع المصرفي​؟!.

تأثير على ثقة المودعين

"لا شكّ أن أي إشاعة أو حملة تتعلّق بالموضوع النقدي والمالي تؤثّر على ثقة المودعين، ولكن نسبة السيولة ب​مصرف لبنان​ بالعملات الاجنبية وبالاحتياطي تخوّل مصرف لبنان أن يدافع عن الكتلة النقدية المعروضة ب​الليرة اللبنانية​"، هذا ما يؤكده الخبير المالي ​وليد أبو سليمان​ عبر "النشرة". أما كبير الاقتصاديين في ​بنك بيبلوس​ ​نسيب غبريل​ فيرى أن "الفراغ الحكومي ساعد على إتساع رقعة الإشاعات ولكن الأرقام والمؤشّرات تظهر أن المواطن اللبناني تنبّه لها ولم يأخذ بها".

لا خطر على الليرة اللبنانية

يشير غبريل عبر "النشرة" الى أن "حجم الودائع في المصارف وصلت الى 174 مليار في أواخر أيلول، ومنذ بداية العام الى اليوم إرتفعت الودائع بنسبة 5 مليار و400 مليون دولار، وهذا الأمر يثبت عدم وجود هروب للودائع من لبنان الى الخارج بل على العكس هناك إرتفاع في نسبة الودائع". هذا ما يؤكده بدوره وليد أبو سليمان، لافتاً الى أن "لا خطر على الليرة اللبنانية خصوصاً وأن معظم الدين اللبناني هو دين داخلي وليس ديناً خارجياً"، وإقتصادنا صغير وليس معرّضاً للأسواق المالية العالمية".

معدل الفوائد يرتفع!

في الفترة الماضية كثر الكلام أيضاً عن أن معدل الفائدة على الودائع بالليرة إرتفع الى 15 و16% نتيجة الإشاعات عن الانهيار المالي وإستباقاً للأمور حتى لا يسحب الناس أموالهم من المصارف. هنا يلفت غبريل الى أن "قسما من الفائدة على الليرة إرتفع بهذا الشكل للذين يجمّدون أموالهم على خمس سنوات وما فوق"، مشيراً في نفس الوقت الى أن "معدل الفوائد على الودائع بالقطاع المصرفي بالليرة كان 7.4% لغاية شهر أيلول 2018 في حين أن معدل الفائدة بالدولار وصل الى 4.36% في أيلول أيضاً"، عازياً سبب إرتفاع الودائع بجزء منه الى الخارج إذ بنيسان الماضي رفع المصرف المركزي الاميركي الفائدة للمرة الثامنة، وأكد أنه سيكمل في سياسة رفع الفوائد الّتي أدت حكماً الى ارتفاع الفوائد في لبنان".

لا طلب غير اعتيادي على الدولار

"لا طلب غير اعتيادي على التمويل من الليرة اللبنانية الى الدولار والهامش المسموح به للتداول بين المصارف بالدولار من ضمن الهامش الذي وضعه مصرف لبنان يتراوح بين 1501 و1514 ". هنا يشير غبريل الى أن "نسبة الودائع بالدولار في أيلول 2017 كانت 67% أما في أيلول 2018 فوصلت الى 69% وهذا الإرتفاع لا يشكل خطرا على سعر صرف الليرة، بل يعود سببه الى الوضع السياسي الذي مرّت به البلاد بدءاً من إزمة إستقالة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري فالفراغ الحكومي وغيرهما من الامور"، مؤكدا أن "الوضع النقدي تحت سيطرة مصرف لبنان ولو كان سعر صرف الليرة ليس مثبتاً تجاه الدولار لكان فعلا حصل إنهيار".

إذاً كل الحديث عن إنهيار مالي وغيره لا يمتّ للحقيقة بصلة حتى لو كان لبنان يمرّ بأزمة، والأهم أن الشائعات التي سرت مؤخراً عن الانهيار النقدي لم تؤثّر على الودائع المصرفية، ليبقى السؤال: لماذا هذه الحملة المُبَرمجة على الوضع النقدي؟! وهل يدرك من إفتعلها وروّج لها خطورتها لو تحوّلت الى أمر واقع؟!.