منذ نجاح ثورتها الإسلامية في العام 1979، وإيران عرضة لعدوان أميركي متواصل تتغير اشكاله ويستمر في جوهره وطبيعته مركزا على هدف واحد هو اسقاط نظام سياسي تحرري استقلالي قام على فكرة كسر التبعية والوصاية التي تمارسها القوى الاستعمارية بقيادة وتخطيط أميركي.

بيد ان ايران رغم تلك السلسلة من المواقف و الاستهدافات العدوانية ضدها و رغم ما حشدته اميركا من قوى إقليمية و دولية في مواجهتها تمكنت في العقود الأربعة الماضية من النجاح في بلوغ أربعة اهداف استراتيجية كبرى لم يكن المعتدي يتصور إمكانية تحقيق أي منها ، فقد تمكنت ايران من تثبيت ثورتها و حماية النظام الإسلامي الذي جاءت به هذه الثورة ، كما تمكنت من حماية الوحدوية الوطنية و ​الامن الداخلي​ و السلام العام ، كما حققت درجة متقدمة من الاكتفاء الذاتي في المجالين العسكري والاقتصادي ، و لكن الأهم والأخطر على سياسة الهيمنة الأميركية هو النجاح الإيراني في إقامة الفضاء الحيوي الاستراتيجي الإقليمي ذو البعد الدولي العام و المصان بمنظومة مركبة معقدة من عناصر سياسية وعسكرية و تحالفات استراتيجية .ما يعني ان العدوان الأميركي المتمادي ضد ايران فشل في لي الذراع الإيراني و عجز عن تحقيق أهدافه الاستراتيجية خلال 40 عام.

و اليوم و في الذكرى 39 لقيام الطلاب الإيرانيين باحتلال ​السفارة الأميركية​ في ​طهران​ باعتبارها وكر تجسس على الثورة تعمل على اسقاطها ، في هذه الذكرى يعلن الرئيس الأميركي ترامب و بعد طول تهديد و توعد يعلن عن حزمة من التدابير الكيدية العدوانية ضد ايران ، تدابير يهدف منها "خنق ايران " اقتصاديا الى درجة تؤدي الى عزلها دوليا و قطع اي تعامل مالي او تجاري او اقتصادي معها خاصة في مجال النفط و التحويلات المالية ، تدابير يقصد منها الأميركي دفع الشعب الإيراني للخروج " للثورة" ضد النظام الإسلامي و تحقيق الهدف الاستراتيجي الأكبر لكل من اميركا و ​إسرائيل​ التي لا تجد لها عدوا يتقدم على عدائها لإيران و ​حزب الله​ الذي تعتبره هي و اميركا ذراع ايران في كامل الإقليم .

ومع هذه التدابير الكيدية التي تسميها اميركا "عقوبات" ، في حين ان التسمية الموضوعية لها هي حرب اقتصادية عدوانية تشن على دولة مستقلة ذات سيادة، حرب تشن على أساس ذرائع واهية كاذبة لا تمت للحقيقة بصلة، حرب ترافقت انطلاقتها المشددة اليوم مع لائحة من الشروط تطلب اميركا من إيران تلبيتها إذا ارادت إعادة البحث والمراجعة لتلك المسماة "عقوبات" ، شروط إذا تم تحليلها وتصنيفها و الوقوف على القصد منها لأمكن القول بان اميركا تريد و بكل بساطة ان تقدم ايران على الانتحار وشطب نفسها عن الخريطة الاستراتيجية الإقليمية والدولية وتسليم قيادها الى اميركا ، شروط تعدد حتى بلغت الاثنا عشر شرطا يمكن ان تختصر بعناوين أربعة هي :

1) .تخلي إيران عن أي حق في المجال النووي مهما كانت طبيعته مدنية او عسكرية ، بحثية او استثمارية.

2) تخلي إيران عن أي حق بامتلاك القوة المناسبة للدفاع عن النفس وفقا للأخطار القائمة واسقاط معادلة الردع الاستراتيجي التي حمت إيران ومصالحها خلال السنوات الماضية وفتح الباب للوصاية الدولية الدائمة عليها

3) التخلي عن الثورة الإسلامية والتنكر لمبادئها والتخلي عن قضية ​فلسطين​ وعن هدفها الاستدراجي بإقامة شرق أوسط لأهله.

4) تخلي إيران عن فضائها الاستراتيجي الحيوي وشطب نفسها عن الخريطة الاستراتيجية الإقليمي، لتتمكن اميركا من استباحة المنطقة دون أي تهديد او خطر يمنعها من السير قدما في "صفقة القرن ".

ونظرا لخطورة الشروط الأميركية تلك على واقع إيران ومستقبلها وحق شعبها في السيادة والاستقلال، فاننا لا نرى مطلقا أي فرصة للقبول بهذه الشروط او حتى مجرد مناقشتها، واعتقد ان من وضعها يعرف ذلك ويدرك بانها مستحيلة التطبيق لأنه يعرف الطبيعة الإيرانية التي ترفض الذل والاستسلام وان كان يجهل او يتجاهل ذلك

فعليه ان يتذكر الأداء الإيراني خلال العقود الأربعة الماضية وكيف ان إيران خرجت منتصرة من حروب بالحديد والنار او حروب اقتصادية بالتضييق والعزل والحصار.

ويبدو جليا ان إيران التي لا تسعى لعداء او مواجهة مع أحد لم يعتد عليها وتتمنى اطيب العلاقات مع دول العالم باستثناء من يغتصب الحقوق ويعتدي على الاخرين كما هو حالها مع إسرائيل، ان إيران هذه لا تتهرب من المواجهة إذا فرضت عليها كما هو الحال الان مع اميركا التي تشن الحرب الاقتصادية القاسية واللئيمة عليها. ما يعني ان إيران على عتبة مواجهة جديدة قد لا تكون سهلة، ولكن وانطلاقا من الأوراق التي قد تلعبها إيران في ميدان المواجهة الاقتصادية يطرح السؤال عن مصير المواجهة؟

وللإضاءة على ما يتوقع من نتائج المواجهة تلك يكون مفيدا ان نتوقف عند ما لدى إيران من مصادر القوة المؤثرة في المواجهة وهنا يمكن التوقف عند ما يلي:

أ) قوة النظام الإسلامي في ايران وشجاعة المسؤولين فيه، وقد كان مؤثرا جدا ان يتصدى مرشد الثورة الإسلامية السيد ​علي خامنئي​ بنفسه معلنا ان إيران ستنصر اليوم في الموقعة الجديدة كما انتصرت في المواقع السابقة خلال 40 عام الماضية وعد يسنده على طاقات تملكها إيران في الداخل وعلاقات دولية متينة مع الخارج ثم تأتي رسالة التحدي الأخرى من رئيس الجمهورية روحاني بقوله:" سنبيع النفط و نخرق العقوبات" .

ب) الإرادة والقوة التي يبديها الشعب الايراني المتماسك خلف قيادته حيث اثبت هذا الشعب قدرة فائقة على التحمل والمواجهة والتمسك بنظامه الإسلامي وهو يعرف ان الثبات هنا يشكل وجها من وجوه الدفاع عن الثورة والاستقلال والسيادة، وطبعا يريد الشعب ان يحفظ النعمة التي يعيشها في الامن والسيادة والاستقلال ولهذا جاءت التظاهرات العارمة التي عمت المدن الإيرانية يوم بدء العقوبات الأميركية لتؤكد على هذه القوة الشعبية في المواجهة.

ت) قوة ​الاقتصاد الايراني​ المبني على فلسفة "الاقتصاد المقاوم" وهو الذي تمكن من رفع درجة الكفاية الذاتية الى مستويات عليا، وقد ساعدت سنوات الحصار والتضييق السابقة على رفع مستوى القوة والصلابة في هذا الاقتصاد الى حد جعله يلامس الاكتفاء الذاتي بنسبة تصل الى 85 %.

ث) العلاقات الايرانية مع الخارج وهي علاقات تبادلية متوازنة في كتير من الوجوه، وبالتالي ان المحافظة على هذه العلاقات لن يكون في مصلحة إيران فقط بل هي مصلحة لكل أطرافها ولهذا شاهدنا كيف ان كثيرا من الدول أعلنت مسبقا رفضها للانصياع "للأوامر" الأميركية بمقاطعة إيران، ما اجبر اميركا على اعفاء 8 دول من تدابيرها، الامر الذي أدى الى فشل اميركا في تنفيذ مقولة " صفر صادرات نفطية إيرانية “.

ج) اجتراح البدائل المالية والاقتصادية وفتح الأبواب امام العملات الأجنبية لتكون النقد البديل المعتمد. وهنا نشهد توسع التجارة الدولية بالمقايضة او بالعملة الوطنية للدول وفي هذا الحاق الضرر بالدولار وبأميركا وفتح الطريق امام نظام مالي عالمي جديد لا يعتمد الدولار عامودا فقريا فيه.

ح) التدابير الاحتياطية الاستباقية المعلنة او المستترة التي اتخذتها إيران وحلفاؤها للالتفاف على العقوبات الأميركية وللخروج من النظام المالي والاقتصادي الأميركي والتي ستشكل صدمة لأميركا عندما تشهر او يكشف عنها.

خ) موقف الدول ذات المصلحة بعدم نجاح اميركا في حربها الاقتصادية ضد إيران مثل روسيا والهند والصين والاتحاد الأوربية، لان هذه الدول والكيانات السياسية تعلم جيدا ان نجاح اميركا في قراراتها الكيدية القسرية الأحادية سيشكل لها حافزا لتطبيق هذه التدابير على أي كان في العالم وتعيد الى الاذهان مفهوم النظام العالمي الاحادي القطبية الذي تتربع فيه اميركا على عرش العالم وحيدة دون منازع. وبالتالي يجد العقلاء ان في فشل الحرب الاقتصادية الأميركية على إيران اليوم يشكل مصلحة دولية وخدمة للقانون الدولي العالم.

و على هذا الأساس ، و رغم كل التهويل الأميركي فاننا نرى ان حظوظ نجاح اميركا في تدابيرها الاجرامية القسرية الكيدية ضد ايران ،ان حظوظ نجاحها منخفضة جدا في ظل شبه استعداد دولي تبديه ايران و دول قوية

أخرى للمواجهة و كسر القرار الأميركي ، و اذا كانت اميركا العاجزة عن تكرار التجربة العسكرية في ​أفغانستان​ او ​العراق​ او ​ليبيا​ في ايران ، اذا كانت تظن ان حربها الاقتصادية هذه ستعوض لها خسارتها الاستراتيجية في سورية و المنطقة ، فان ظنها في غير محله في مواجهة قوى صاعدة و متغيرات دولية لن تستطيع اميركا وقفها او احتواءها او حجب مفاعيلها والتصدي لها ، و سيكون فشل اميركا في الحرب الاقتصادية ضد ايران مدويا و سالبا منها ورقة طالما هددت بها فرجف من تهدده و اذعن لها . ولهذا نرى ان العالم كله سيكون مشدود الأنظار الى ميدان هذه الحرب ينتظر نتائجها التي لن تتأخر أكثر من أشهر ثلاثة على ما نعتقد، فتجاح إيران في هذه المواجهة هو نجاح للعالم في وجهة الغطرسة الاستعمارية الأميركية.