رغم قرار ​العقوبات الأميركية​ بحق الإيرانيين، الذي أربك طهران، وأنتج الارتياح في صفوف اعدائها وخصومها. لم تُقفل الادارة الاميركية الباب نهائياً بين ​الولايات المتحدة​ والجمهوريّة الإسلاميّة. أبقاه البيت الأبيض مفتوحاً، من خلال السماح لطهران بتصدير النفط عبر ثماني دول، ستزداد أعدادهم بعد انضمام العراق ودول أوروبيّة رغبت بإعفائها من قرار العقوبات.

بالطبع، هناك مصلحة اقتصادية دوليّة عبر عدم وقف التصدير النفطي ال​ايران​ي، لمنع اهتزاز سوق البترول عالمياً، الذي تزوده ايران بملايين البراميل يوميًّا، ومن المرجّح ان يزيد التصدير الإيراني بعد العقوبات عن مليونين ونصف المليون برميل يومياً. لكن قرار ابقاء الباب مفتوحا لا يتعلق بالسوق النفطي، بقدر ما يتعلق بمنع تهديد إستقرار الجمهورية الاسلاميّة، لأنّ هدف الأميركيين ترويض طهران وليس ضرب نظامها. هذا ما يردّده الاميركيون بشكل دائم.

فماذا تريد واشنطن من الايرانيين؟

لا يتعلق الامر بالملف النووي، بل بالسيّاسة الإيرانيّة التي أخافت الغرب، بعدما وصل تأثيرها الى أميركا اللاتينية. كما أن النفوذ الايراني امتدّ من العراق الى ​سوريا​، ف​لبنان​ وفلسطين، واليمن. وبات الأميركيّون يحسبون لطهران حسابات اقليميّة، خصوصا أن إدارة الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ تريد فرض صفقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتعتقد ان طهران قادرة على اجهاضها، بعد موافقة العواصم العربيّة على المضيّ بها، ومشاكسة حلفاء ايران لضرب أيّ تسوية تلوح في الأفق.

هناك محرّك إسرائيلي خلف الستارة، يوجّه الأميركيين، ويريد الضغط على الزناد، لكن ترامب يلبّي الطلبات الاسرائيليّة على طريقته، لا عبر الحروب العسكريّة المكلفة، بل الضغوط الماليّة المجدية، والمربحة له شعبيًّا في الداخل الأميركي، خصوصا ان الانتخابات النصفيّة تجري الآن، فيستفيد رأس البيت الابيض بكلّ الاتجاهات من الضغوط بحقّ إيران، داخليًّا أميركيًّا، واقليميًّا شرق اوسطيًّا.

ومن هنا جاء سعي الأميركيين لتقليم اظافر الإيرانيين، وقطع اياديهم في العراق اولاً، بإجبار الحكومة العراقيّة على الإذعان لقرارات واشنطن، تحت طائلة وقف المساعدة بشأن الحرب على تنظيم "داعش" الذي يتغلغل وسط العراق. ثانياً، بسحب الملف اليمني من أيدي الإيرانيين، عبر وقف الحرب، والتفاوض مع الحوثيين. ثالثاً، من خلال تسوية الخلافات الفلسطينيّة، وحلّ ملفّ غزّة، واستمالة القوى الفلسطينيّة، بمن فيها "حماس" الى قرار التفاوض لتأسيس دولة فلسطينيّة، وبالتالي سحب ملفّ غزّة من الطاولة الإيرانيّة. رابعاً، الاعتماد في سوريا على الروس، حيث هم، وعلى شحن نفوذ حلفاء واشنطن شمالا وشرقا، وعدم الاعتراف بدور ايراني هناك. ليبقى لبنان عصيًّا على رغبة الأميركيين في قرار واشنطن سحب التأثير الايراني، القائم عبر حلف طهران مع "حزب الله".

كل تلك الوقائع، تؤكد ان الهدف الترامبي هو تحقيق آمان اسرائيل الأبدي، لا غير. لذلك جاء تمدّد الاسرائيليين عربيًّا بطلب من واشنطن. فإذا قبلت طهران بشروط الأميركيين، بالكفّ عن تهديد التسوية بشأن انهاء القضيّة الفلسطينيّة، ستعمد الادارة الاميركية على فتح كل الأبواب امام طهران، من دون قيود، ولا شروط. والاّ، فإن واشنطن تهدّد برفع وتيرة العقوبات تدريجيًّا.