تحدث الوزير ​معين المرعبي​ منذ يومين عن معلومات وردته حول مقتل نازحين عادوا الى بلادهم، برصاص ​النظام السوري​. لم يكن من الممكن تمرير هذا الكلام دون التوقف عنده لان فيه الكثير من الامور والمعطيات التي يجب استيضاحها، خصوصاً انها تؤثر على الوضع العام في لبنان وفي المنطقة ككل.

ابرز ما يجدر التوقف عنده في كلام المرعبي هو اولاً الهدف من التشكيك بالدولة اللبنانية وبالحكومة (التي ينتمي اليها ولو الى موعد الانتهاء من تصريف الاعمال)، وبالامم المتحدة ومنظّماتها، وبالمدير العام للامن العام ​اللواء عباس ابراهيم​، اضافة الى الدول الغربية والكبرى. قد يجد البعض هذا التعميم شاملاً ولكنه حقيقي باعتبار ان كل من تم ذكرهم لهم علاقة من قريب او من بعيد بقضية النازحين ومتابعتها، منذ مغادرتهم اراضي الدول التي نزحوا اليها وحتى بعد عودتهم الى مناطقهم، مع استثناء النظام السوري الذي يعتبره المرعبي نظاماً "مجرماً".

كيف يمكن التشكيك بالعلن بكل هؤلاء، من خلال قول المرعبي نفسه انه حصل على صور وصلته عبر اصدقاء تؤكد ما قاله، فإذا كان هذا الامر صحيحاً، فمن الاجدر به التوجه الى الامم المتحدة او الى الولايات المتحدة والدول الغربية التي تبحث عن ذريعة من اجل ابقاء النازحين في الدول التي تستضيفهم حالياً، او حتى الامم المتحدة نفسها التي اطلقت اكثر من موقف تعارض فيه عودتهم قبل الوصول الى حل سياسي في سوريا، فهل فقد الثقة بهم ايضاً ام انه لا يملك الادلّة الكافية لدعم اقواله، وعندها تكون المصيبة الكبيرة؟ وهل يمكن القول ان اصدقاء المرعبي الذين ارسلوا له الصور، اكثر دراية واطلاعا من دول عديدة وما تملكه من امكانات واستخبارات واجهزة ترصد ومراقبة كفيلة بكشف هذا النوع من الجرائم في وقت قصير؟ وهل يعتقد المرعبي انه اذا رغبت دول في التستّر على ما قال انه حصل من قتل، ستواكب وسائل الاعلام الموضوع وتعمل على التغطية كرمى لعيون النظام السوري؟ ألم يعتبر المرعبي من حادثة قتل الصحافي جمال الخاشقجي وما اثارته من رد فعل ليبني عليها لإثبات حسن نية البعض على الاقل، في كشف المستور حول جرائم تحصل، او اطلاع الرأي العام عليها لتأخذ حجمها في الضمائر؟.

كلام المرعبي، ترك دون شك اثراً سيئاً عند ​النازحين السوريين​ الذين سيترددون قبل ان يعيدوا التفكير في العودة الى بلادهم، رغم كل التطمينات التي اعطيت من قبل دول كبرى وبغطاء دولي بعدم التعرض لهم بعد عودتهم، فهذا الكلام عن القتل اعطى مفعولاً معاكساً، اذ بدل اثبات صحة ما يقوله عن مقتل عائلات في سوريا بعد عودتها، يقتل المرعبي احلام السوريين بالعودة الى بلادهم وإعادة لمّ الشمل الذي تفرّق بفعل الحرب، ويقتل ايضاً مصداقية لبنان الذي يعمل على تأمين العودة لمن يرغب من النازحين بالتنسيق مع النظام السوري وبعلم الامم المتحدة التي تواكب العودة من الطرف الآخر، ومع روسيا التي تتحمل مسؤولية معنوية امام العالم تجاه سلامة العائدين. هذا الكلام يقتل ايضاً رغبة لبنان في ايجاد حل لقضية النازحين التي باتت تهدد كيانه، واصبح الجميع يتفهمها بعد ان اطلعوا عليها عن كثب عبر زيارات واتصالات، ومن شأنه ايضاً ان يقتل الاندفاع لدى اللواء ابراهيم ومن يعاونه في هذا الموضوع، ولدى كل من يعمل على عدم ابقاء النازحين خارج وطنهم.

فمن الذي يقتل من؟ لا احد يبرىء احداً من القتل، فقد يمكن ان يكون النظام السوري مذنباً، وقد يمكن الا يكون، انما لا يجوز في اي حال من الاجوال وضع مصير عائلات وبلد بكامله من اجل اطلاق مواقف لم يتم العمل على اثباتها وسلوكها الطرق اللازمة قانونياً ودبلوماسياً، وتزيد من مشاكل لبنان الذي ر ينقصه المزيد من التعقيدات، فهل من يتعظ؟.