لم يكن أحد في تل أبيب يتوقع، بهذه السهولة، أن يكرّ التطبيع مع العرب، من دون اتفاقات مكتوبة. لا حاجة لتكرار تجارب وادي عربة، ولا ​كامب ديفيد​. في غضون بضعة ايام، زارت وفود ​اسرائيل​يّة ثلاث: ​سلطنة عمان​، قطر، والامارات، بينما تستعد البحرين لإستقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​ قريبا في المنامة. كل تلك الزيارات لا توازي أهميّة الاتّفاق بين تل أبيب وحركة "حماس"، لفرض واقع جديد في غزة، يخرجها من نمط الحياة الذي تعيشه، الى اندماج مع المستجدات العربية ازاء التعامل مع اسرائيل.

يهلّل الاسرائيليون لنجاح "بيبي"-لقب نتانياهو. يعتقدون أنه نجح في تحقيق ما عجز عنه المؤسّسون، وما اخفقت فيه الحرب. انه التطبيع الأهم مع العرب: رئيس الوزراء ورئيس الموساد في سلطنة عُمان، وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية، ميراي ريغيف وفريق الرياضيين في أبو ظبي، ووفد أكاديمي وعسكريون سابقون، ورياضيون في قطر.

لكن أنظار الاسرائيليين تتجه نحو مصر. يريدون التطبيع المماثل مع القاهرة، الذي لم يتحقق بفضل "كامب ديفيد"، رغم الزيارات الرسمية، وخطوط النقل والتجارة بين تل أبيب والقاهرة، والسياحة الى شرم الشيخ. يريدون قبولاً شعبياً، يكرر ما يحصل مع الخليجيين، لا مشهد "السفارة في العمارة".

لماذا مصر؟ لأنها أم العرب، التي حملت قضاياهم، ووحدتهم. تعداد سكانها كاف للقول ان هناك اغلبية عربية تؤيد التطبيع الكامل مع اسرائيل. عندها تستطيع تل ابيب الدخول في اتحاد الدول الشرق اوسطية، الذي تنوي دول خليجية فرضه في مواجهة ​إيران​.

لكن حسابات سلطنة عمان تختلف عن حسابات الدول الخليجيّة الأخرى. كان السلطان قابوس بن سعيد هو الأجرأ، بإستقباله الوفد الاسرائيلي، والترحيب به، مستندا الى دور السلطنة في عقد التسويات بين الاعداء والمتخاصمين.

تعترف الصحافة العبرية ان "لسلطنة عُمان تقاليد وساطة طويلة للتوفيق بين جهات متنازعة، بين الدول المجاورة، وحتى بين الدول الأجنبيّة. هذه الطريق الخاصّة للتوفيق تستهدف جمع الطرفين على طاولة المباحثات، وبعدها تخرج عُمان من الصورة وتخلي المكان لوسيط أكبر. سلطان عُمان يرغب الآن في أن يجمع الإسرائيليين مع الفلسطينيين وأن يجلب حلفاءه الأميركيين. ولديه كما يتبيّن خطّة لمدى أبعد أيضاً، مع الإيرانيين. هذا ما سعى لأن يوضحه لنتانياهو: أولاً الفلسطينيون، بعدها توقف، وبعدها طهران. بلا ضغط، بلا تحديد موعد، بلا جدول أعمال. عندما يقررون في واشنطن بأنه حان الوقت، فليعلموا أن وزير الخارجية العُماني مستعد لأن يشق الطريق".

هذا ما يردده الاسرائيليون عن ابعاد زيارتهم الى عُمان.

لكن قطر هي التي سعت لتحقيق تسوية بين غزّة وتل ابيب، ونجحت في فرض اتفاق من عشرة بنود، يتيح فتح باب التفاوض من خلال تأسيس عناصر الثقة بين العدوّين. سيتغيّر وضع القطاع، والهدف عند الاسرائيليين هو قطع الأذرع الايرانيّة في فلسطين. ستكون مكافأة الدوحة الدوليّة، هي الطلب من السعوديّة فكّ الحصار عن الدولة التي تلعب اهم دور في الساحة الفلسطينية، يفوق ادوار الآخرين، عبر سفير خاص لها في غزة، هو محمد العمادي، الذي يجول بين غزة وتل أبيب. لكن الاسرائيليين يحاولون اغراء القاهرة، باللعب على خلافها مع الدوحة، والقول أن الدور التفاوضي يجب ان يكون بين أيدي المصريين.

بات الاسرائيليون يقفزون من دولة عربية الى أخرى، وقد تجدهم يخططون لتقريب وجهات النظر بين الدول العربية المتخاصمة. قد تكون تل أبيب هي الشرطي والمصلح، فيها "الخصام، وهي الخصم والحَكم"؟.

ولذلك جاءت دعوة صحيفة "يديعوت احرونوت" العبريّة، للابقاء "على سلسلة اللقاءات في إمارات الخليج. لأن هذا سيجدي إسرائيل في مصر وفي الأردن أيضاً، وسيفتح مسارات جديدة. لكل واحدة من الإمارات يوجد صلة بدولة عربية كبيرة. ويمكن لإسرائيل أن تستغل هذا الجسر". انه التطبيع الكامل على كل المستويات، يسير بسهولة، من ضمن خطّة استراتيجيّة إسرائيليّة، لكن التكتيك يفاجىء تل أبيب. فهي لم تكن تتوقع هذه السرعة في جري العواصم العربيّة، التي تسابق نفسها تودّداً للإسرائيليين. صار كل يوم يحمل جديدا على صعيد التطبيع السلس، الذي تقبله الأجيال العربية الجديدة.