"وصلت ل​إسرائيل​ إشارة قوية من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أنه مستعدّ لإنهاء المقاطعة".

هذا ما ذكرته صحيفة "يديعوت أحرنوت" منذ يومين.

سبق ذلك الخبر تصريح لرئيس الوزراء الإسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​ بأن علاقة بلاده بالجوار العربي تتطور بشكل "دراماتيكي".

لم يعد الإنفتاح العربي على اسرائيل مستحيلاً أو بالخفاء؛ إنه فعلا تحوّل دراماتيكي. الزيارات التي يقوم بها نتانياهو، والتي تحظى بتغطية إعلامية واسعة، لا سيّما عربية، خير دليل على استراتيجيا التمدّد الصهيوني الجديدة. كان آخرها الزيارة الى سلطنة عُمان بعد عقود من الانقطاع.

فلسطين​، صفقة القرن، القدس، حق العودة، اليمن، الجولان، الحرب السوريّة، ​لبنان​، المقاومة، العلاقة مع ​ايران​، كلّها قضايا بدّد التناقض في مقاربتها حلم "الوطن العربي".

في هذه المشهدية، يبرز دور المملكة العربية ​السعودية​ بوجه الجمهورية الإسلامية الإيرانية. نقطة التقاء مع اسرائيل على العداء لإيران.

هل هذا يكفي لإنهاء "العداء" بين السعودية والكيان الصهيوني وتحالفهما؟ هل بتنا امام لغة "مقاطعة" و"حلف استراتيجي "عوضاً عن "عداء"؟

ماذا بين السعودية وإسرائيل؟

لا بدّ من إلقاء الضوء على ما يلي لإستنباط الجواب:

أوّلاً: الوجود "الاسرائيلي" بكلّ وجوهه، كما ازدهار الوجود "السعودي" السياسي والإقتصادي؛ مرتبطان ارتباطا وثيقا بالتحالف مع الولايات المتحدة الأميركية.

في لغة منطق ما، المصلحة الثنائية تقتضي انتهاج حذو السياسة الأميركية تجاه ايران وشدّ أواصر التحالف لتعزيز المحور المواجه لهذه الأخيرة.

هذا ما عملت عليه اسرائيل منذ عقود. انكشف بتصاريح مسؤولين ومنهم الوزيرة الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني التي ذكرت مرارا ان هدف ايران هو تقويض السعودية.

في شباط من العام ٢٠٠٩ ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" ان المملكة العربية السعودية أعربت عن سماحها للقوات الجوية الإسرائيليّة بعبور مجالها الجوي لقصف ايران.

أنكرت كل من اسرائيل والسعودية آنذاك الخبر.

ثانياً: تصاريح إسرائيلية عدّة نُشرت وبُثت حول استعداد تل أبيب للتعاون الاستخباراتي مع السعودية. اعتبرها البعض اشارات ضمنية حول تعاون فعلي سري بينهما بينما وضعها آخرون في إطار التهيئة النفسية للشارع العربي السعودي حول إعلان نهاية حالة العداء.

ولكن، عقدَ الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ حديثاً صفقات أسلحة مع السعودية بلغت قيمتها أربعمئة مليار دولار وشملت أسلحة متطورة حديثة.

لا شكّ أنّ الرئيس الأميركي ترامب لا يجد في امتلاك السعودية أسلحة حديثة ومتطورة أي خطر على حليفته اسرائيل وكذلك ترى هذه الأخيرة. إذاً، بالنسبة لهما الخطر العسكري من السعودية غير موجود مهما بلغت قوتها العسكرية.

من الناحية المادية، أميركا تستفيد مادياً، وإسرائيل أيضا. فمن يدفع ثمن الأسلحة لمحاربة ايران هي السعودية. حتماً، لن تخوض اسرائيل أي حرب وحيدة أو على الأقلّ هي تظن ذلك.

ثالثاً: تتصاعد الضغوط الدوليّة على السعودية لمحاسبة المسؤولين عن قضية قتل الصحافي المعارض ​جمال خاشقجي​ داخل القنصليّة السعودية في اسطنبول.

تركيا برئاسة رجب الطيب اردوغان وفي مرحلة إعادة تموضعها الدولي والإقليمي بعد فشل سياستها في سوريا، تصعّد من تصريحاتها بشأن التحقيقات في هذه القضية وتعِد بالدفاع عن حقوق كل المسلمين. اردوغان يسعى لقيادة بلاده للعالم السني. علاقة تركيا المتوترة مع الولايات المتحدة تشوبها بعض الحلحلة. إطلاق سراح القسّ الأميركي الذي اعتُقل في اسطنبول، إعفاء أميركي لبعض المسؤولين الأتراك من العقوبات الأميركية. التقاء البلدين حول فرض عقوبات على المسؤولين عن قتل خاشقجي.

بالمقابل، لم تُعلن نتيجة التحقيقات رسمياً بعد.

فالاستثمار السياسي للقضيّة قائم خلف التلميحات القانونية. نتانياهو ومستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنير يدافعان عن ولي العهد السعودي، أمّا هو فيعزّز علاقاته واستقبالاته بأكثر من جهة كان آخرها استقباله وفد "الإنجيليين".

رابعا: على الصعيد التجاري، في حزيران من العام ٢٠١٧ كشفت صحيفة "ذَا تايمز" البريطانية وشبكة "سي ان ان" الأميركية التي يعد الرئيس الأميركي بإقفالها، عن مشاريع اقتصادية بين كل من اسرائيل والسعودية لا سيما في مجال تسيير خطوط الطيران وبمدّ سكة حديد بين السعودية واسرائيل مرورا بالأردن.

وردّ هذا الخبر بعد شهرين من عرض وزير النقل والاستخبارات الاسرائيلي يسرائيل كاتس على ممثل الرئيس الأميركي جيسون غرينبلات مشروع "سكة قطار السلام الإقليمي" لربط دول عربية بالبحر المتوسط والسكة تنطلق من مدينة حيفا.

في إطار إشادته بحصار دولة قطر، وزير الدفاع الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان يقول: "من الأفضل بكثير التعاون في القضايا الإقتصادية أكثر من مكافحة الإرهاب".

في ظلّ ما تقدّم، ما بين اسرائيل والسعودية ستكشفه قريباً السياسة الدولية ومتغيراتها لا سيما الصهيو-أميركية في عصر ماتت فيه السياسة العربية العروبيّة الموحّدة قبل أن تبصر النور.