في ظل إستمرار العقد التي تحول دون ولادة ​الحكومة​ العتيدة، عاد طرح إعادة تفعيل حكومة ​تصريف الأعمال​ الحالية إلى الواجهة من جديد، من بوابة البيان الأخير الصادر عن ​مجلس المطارنة الموارنة​، لكن هذه ليست المرة الأولى التي يُطرح فيها هذا الأمر، حيث سبق أن برز حين كانت عقدة تمثيل حزب "القوات اللبنانية" هي التي تطغى على المشهد السياسي، لكن على ما يبدو هناك العديد من المعوقات السياسية والدستورية التي تحول دون ذلك.

في هذا السياق، يبدو أن حزب "القوات اللبنانية" هو المتحمّس الوحيد لهذا الأمر، بحسب ما تكشف مصادر سياسية مطلعة عبر "النشرة"، في حين أنه مرفوض بشكل كامل من قبل كل من رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ ورئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​، خصوصاً أن الذهاب إلى هذا الخيار يعني التسليم بالعجز عن إيجاد المخارج للعقدة المستجدّة، في ظل تمسّك "​حزب الله​" بدعم حلفائه من النواب السنة المستقلّين، في حين يتماهى أيضاً موقف رئيس الجمهورية مع موقف رئيس الحكومة المكلف الرافض لتوزير أحد هؤلاء النواب بأي شكل من الأشكال.

من وجهة نظر هذه المصادر، هذا الطرح غير قابل للحياة، لأن المطلوب هو تشكيل الحكومة، بعد ما يقارب ستة أشهر على التكليف لا الذهاب إلى التعايش مع العقد، خصوصاً أن هذا الواقع قد يدفع بالأفرقاء المعنيين إلى التمسك أكثر في مواقفهم المتصلبة، على قاعدة أن ليس هناك ما يبرر الإستعجال في تقديم التنازلات، طالما أن الأوضاع من الممكن أن تدار من خلال حكومة تصريف الأعمال، مؤكدة أن ليس هناك ما يستدعي تفعيل الأخيرة، من خلال نقل مفهوم "تشريع الضرورة" من المجلس النيابي إلى مجلس الوزراء، وتضيف: "في الأصل هذا الأمر لا يمكن الذهاب إليه بعد الإنتخابات النيابية، لأن الناخبين عبروا من خلال الإستحقاق الأخير عن مواقفهم، وبالتالي لا ينبغي التعامل مع الإنتخابات كما لو أنها لم تكن".

على المستوى الدستوري، تجزم مصادر قانونيّة، عبر "النشرة"، بعدم إمكانية إجتماع الحكومة بعد إتفاق الطائف، إنطلاقاً من الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور، التي تنص على أن "لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال"، بالرغم من حدوث سابقة من هذا النوع أيام حكومة نجيب ميقاتي الثانية، التي اجتمعت في 26 أيار من العام 2013 لإقرار بعض الإجراءات المتعلقة بالإنتخابات النيابية، إستناداً إلى إستشارة حصلت عليها من هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل.

وتوضح هذه المصادر أن الأساس في هذه المعضلة هو أن حكومة تصريف الأعمال الحالية تعتبر مستقيلة بعد الإنتخابات النيابية، نظراً إلى أن حكومات تصريف الأعمال، في النظام البرلماني، تصبح غير مسؤولة أمام المجلس النيابي، في حين أن ممارستها لمهامها من المفترض أن تقترن بهذه المسؤولية، وبالتالي لا يمكن محاسبتها على أي عمل قد تقوم به، نظراً إلى أن حجب الثقة من السلطة التشريعية هو الآلية المتبعة في القانون الدستوري لتجسيد مبدأ المسؤولية.

بالإضافة إلى ذلك، تشير المصادر نفسها إلى مسألة أخرى، متعلقة بأن الحكومة الحالية نالت الثقة من المجلس النيابي السابق، أي أن السلطة التشريعية التي منحتها الثقة لم تعد قائمة، وبالتالي هي لا تملك ثقة المجلس النيابي الحالي لأنها لم تنالها منه، بالإضافة إلى أنه غير قادر على محاسبتها، ما يعني أن إجتماعها أمر لا يجوز من الناحية السدتورية، في حين أن مهمتها تقتصر على ممارسة صلاحياتها بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال، وتضيف: "مجلس الوزراء لا ينعقد في ظل حكومة تصريف الأعمال إلا في حال طرأ أمر غير مرتقب واستثنائي".

في المحصّلة، الدستور واضح في هذه المسألة، إلا أن الأساس يبقى في الموقف السياسي، أي غياب التوافق على هذه المسألة بين مختلف الأفرقاء، حيث كان من الممكن تجاهل العامل الأول، فيما لو توفر العامل الثاني.