إقترب لقاء المُصالحة المُنتظر منذ أشهر بين رئيس حزب "القوات اللبنانيّة" ​سمير جعجع​ ورئيس "تيّار المردة" ​سليمان فرنجية​، أكثر من أيّ وقت مضى، حيث بات الأمر مُرتبطًا بإنهاء بعض التفاصيل اللوجستيّة الصغيرة جدًا، إضافة إلى توفير أفضل الظروف الأمنيّة المُمكنة لحماية كلّ من الشخصيّتين المَعنيّتين. فما هي المعلومات المُتوفّرة عن اللقاء المُرتقب من مخُتلف النواحي؟.

أوّلاً: اللقاء سيُعقد تحت عباءة ​بكركي​ وبرعايتها المباشرة وعلى أعلى المُستويات، وذلك لأكثر من سبب، من بينها منح هذه المُصالحة البُعد الديني والغطاء الكنسي الماروني المطلوبين. وبعد أن جرى التكتّم عن مكان اللقاء بداية، ثم الحديث عن إنعقاده في الصرح البطريركي الماروني في بكركي، جرى أخيرًا الحديث عن عقده في أحد أديرة الشمال، خاصة وأنّ هذه المُصالحة ستطوي صفحة تاريخيّة قاتمة حصلت في مُحافظة الشمال بالتحديد، وأسفرت عن تقسيم مسيحيّي هذه المنطقة لعُقود طويلة. وإحتمال عدم عقد اللقاء في بكركي يعود أيضًا إلى مُطالبات بأن يكون المكان في موقع جغرافي وسطي بين الطرفين، باعتبار أنّ الصرح البطريركي قريب جدًا من مكان إقامة رئيس حزب "القوّات" في معراب، وبعيد في المُقابل عن مكان إقامة رئيس "تيّار المردة" في بنشعي. والأكيد أنّ العامل الأمني هو الذي سيحسم في نهاية المطاف الموقع النهائي للقاء المُرتقب، من دون إستبعاد تبديل الموقع الجُغرافي في اللحظة الأخيرة لدواع أمنيّة.

ثانيًا: المُصالحة ستُركّز على إنهاء الوضع الشاذّ الذي كان قائمًا بين الطرفين، وستفتح الطريق أمام عودة كاملة للعلاقات الطبيعيّة بين حزب "القوات" وتيّار "المردة" على مُستوى التواصل السياسي وليس فقط على مُستوى التواصل الإجتماعي بين المُحازبين والمُناصرين، لكن مع إحتفاظ كل طرف بتموضعه الإيديولوجي العام، وبرؤيته السياسيّة للقضايا المحليّة والإقليميّة، وللعلاقات مع ​سوريا​، ولغيرها من المواضيع. وبالتالي، المُصالحة ستكون وجدانيّة بالدرجة الأولى، مع حدّ أدنى من التوافق السياسيّ، لكنّها لن تقترن بأي تعهّدات أو بأي بنود سياسيّة تجمع بين الطرفين، باستثناء ما يدعو منها إلى الحفاظ على سياسة مُنفتحة وعلى الحوار والتواصل وعلى تقبّل حريّة العمل السياسي.

ثالثًا: لا يُوجد أي مشروع لأي تنسيق إنتخابي مُستقبلي بين "القوّات" و"المردة"، حيث سيبقى الطرفان على الأرجح في موقع الخُصومة الإنتخابيّة، حتى ولوّ أنّ موعد الإنتخابات النيابيّة لا يزال بعيدًا، مع ما قد يحمله عامل الوقت من تبدّلات مُحتملة في المواقف المُتّخذة. تذكير أنّ نتائج الدورة الأخيرة من الإنتخابات أظهرت أنّ حزب "القوّات" وتيّار "المردة" يُشكّلان القُّوتين الإنتخابيّتين الأساسيّتين في المنطقة، بنسبة ثلث الأصوات الناخبة تقريبًا لكلّ منهما، في حين تتوزّع ثلاث قُوى أخرى الثلث الباقي تقريبًا أيضًا، وهي "التيّار الوطني الحُرّ" بالدرجة الأولى ثم كلّ من "حركة الإستقلال" و"الحزب القومي السُوري الإجتماعي". وبالتالي لا مصلحة مُشتركة لأي تحالف إنتخابي بين "القوات" و"المردة" من الناحية العملانيّة، لأنّه لن يُضيف أي نائب لأي منهما، هذا في حال سلّمنا جدلاً أنّه جرى تجاوز الفروقات السياسيّة بين الطرفين للدُخول في تحالف إنتخابي.

رابعًا: سيحرص كل من حزب "القوّات" وتيّار "المردة" على التأكيد أنّ مُصالحتهما لا تستهدف أيّ طرف سياسي، ولا تهدف إلى حصار أي جهة، وأنّها غير مُوجّهة ضُدّ رئيس "التيار الوطني الحُرّ" وزير الخارجية في حُكومة ​تصريف الأعمال​ ​جبران باسيل​ بالتحديد. لكن وعلى الرغم من كل التأكيدات التي ستُعلن في هذا السياق، فإنّ المسار العام للعلاقات الحالية بين كل من "التيّار" و"القوات" و"المردة" لا يُمكن إلا أنّ يتأثّر بهذه المُصالحة. والأكيد أنّ "البيك" الزغرتاوي يسعى لإزالة عقبة أساسيّة أمام طُموحه الرئاسي، وهي مُعارضة جعجع له، والتي كان لها أثر مُهمّ في تغيير بُوصلة الإنتخابات الرئاسيّة الأخيرة، إلى جانب الدور الحاسم المُوازي لأمين عام "​حزب الله​" السيّد ​حسن نصر الله​. كما أنّ "الحكيم" يرغب من جهته في أن يكون له "الكلمة الفصل" في المُفاضلة بين المُرشّحين الرئيسيّين للإنتخابات الرئاسيّة المُقبلة، في حال كانت الظروف المحليّة والتوازنات الإقليميّة لا تسمح بخوض المعركة الرئاسيّة شخصيًا، ما سيجعله بمثابة "بيضة قبان" بين كل من باسيل وفرنجية.

خامسًا: سيحرص كل من جعجع وفرنجيّة بعد إتمام المُصالحة على تأكيد تموضعهما السياسي الإستراتيجي الثابت، من خلال تصاريح ومواقف تُطمئن الحلفاء، وتؤكّد الثبات في المبادئ السياسيّة العامة لكلّ منهما. في المُقابل، سيسعى بعض الخُصوم السياسيّين لكل من "القوات" و"المردة" إلى "إطلاق النار الإعلامي" على المُصالحة للتأثير سلبًا عليها، في حين يُنتظر أن تسعى قُوى سياسيّة أخرى إلى القيام بخُطوات إلتفافية تتمثّل في تعزيز علاقاتها مع قُوى سياسيّة مُعيّنة، كنوع من إستعراض للخيارات البديلة، ردًا على تقارب كل من "القوات" و"المردة" الذي لا يصبّ في مصلحة الكثير من الجهات التي كانت ترغب ببقاء حال العداء بين الطرفين.