انتهت الانتخابات النصفية الاميركية التي تعلن بدء العد العكسي لولاية الرئيس الاميركي وتؤسّس بشكل جدّي للتحضيرات والحملات للانتخابات الرئاسية. وبعد سنتين على النتيجة التي هزت العالم كله واوصلت ​دونالد ترامب​ الى ​البيت الابيض​، لا يمكن القول ان الانتخابات النصفية الاميركية (مجلس النواب ومجلس الشيوخ)، قد حقّقت النتيجة نفسها. فالمفاجآت كانت قليلة نسبياً، وفوز الديمقراطيين بمجلس النواب مقابل تشديد قبضة الجمهوريين على مجلس الشيوخ، انهى "المباراة " بينهما في عهد ترامب بالتعادل. المغالاة لدى معارضي ترامب ستدفعهم الى القول ان ما تحقق هو بداية نهايته السياسية، اما المغالون المؤيدون للرئيس الاميركي فيعتبرون ان المسألة اظهرت ان تعلّق نصف الشعب الاميركي على الاقل بترامب، حقيقي وليس موسمياً.

وبين هذين الرأيين، هناك الرأي الموضوعي الذي يحدد بكل بساطة ان نتيجة هذه الانتخابات تجعل من الديمقراطيين بمثابة شوكة في خاصرة ترامب خلال السنتين المقبلتين. من نافل القول ان الفوز الذي حققه الديمقراطيون في مجلس النواب بعد ثماني سنوات على هزيمتهم فيه، انما يعطيهم الدفع المعنوي اللازم لتنفس الصعداء، والعودة الى اجواء المنافسات السياسية، فإعادة الاعتبار لهم من خلال هذه النتيجة، انما تشير الى ان حضورهم بات وازناً، ولو انه لم يكن "تسونامي"، غير ان تجاهله امر غير وارد. والنتائج التي تحققت عبر الانتخابات، تشير الى ان الديمقراطيين سيتولون رئاسة اللجان النيابية في العديد من المشاريع، وباتوا يحذّرون من اليوم انهم سيطبّقون مبدأ المحاسبة على ترامب اولاً وعلى كل من يعتقد انه فوق القانون.

وعلى الرغم انه من المبكر الحديث عن امكان الاطاحة بترامب عبر عزله قضائياً من خلال دعاوى قد تستهدفه لجهة التهرب من دفع الضرائب او الفساد في الادارة او غيرها من الامور...، الا ان التهديدات بذلك صدرت عن العديد من النواب الديمقراطيين، ولكن الواقع لا ينبىء بحصول اي تغيير على مستوى الرئاسة.

وتعطش الديمقراطيين للانتقام، سيحوّلهم الى "معرقل" رئيسي لمشاريع ترامب وما يتم يطرحه على المجلس النيابي، مما يؤشر الى بداية حصول انشقاق كبير بين مجلسي النواب والشيوخ، يعكس حجم التناقض في الآراء حول ترامب لدى الشعب الاميركي، ولن يكون الانقسام لفترة زمنية محدودة، بل من المرجح ان يتصاعد طوال السنتين المقبلتين، حيث سيبذل الديمقراطيون كل جهدهم في سبيل التمهيد لسيطرتهم على الانتخابات الرئاسيّة المقبلة، فيما سيعمد الجمهوريّون الى رص الصفوف لمواجهة هذه الخطة. اما ما يزعج حقاً بالنسبة الى ترامب والجمهوريين، فهو دور الذين نبذهم الرئيس الاميركي عبر اقالتهم او دفعهم الى الاستقالة بينما كانوا يوصفون بأنهم من اقرب المقربين اليه. هذه الخطوة اثّرت سلباً على العديد من المؤيدين للرئيس الأميركي، وزرعت القلق في نفوسهم من الخطوات المقبلة التي قد يقدم عليها، وذهب البعض الى حدّ القول ان هؤلاء "المنبوذين" لعبوا دوراً في ترجيح كفة الديمقراطيين في عدد من الولايات.

لا يكفي ما حققه الديمقراطيون من اجل وقف مشروع ومخططات ترامب، ولكنه يكفي حتماً لاعادة الرئيس الاميركي حساباته، خصوصاً في ظل اصطفاف غالبيّة وسائل الاعلام ضدّه، وعليه التفكير بطريقة للحد من الهيمنة الديمقراطيّة على الادارة، وقطع الطريق امام اي طموح بالتوسع "الديمقراطي"، والا فهو سيواجه خطراً حقيقياً يستهدف حياته السياسيّة ولن يكون بوسعه الاعتماد على مفاجأة جديدة من شأنها ان تبقيه في البيت الابيض لولاية ثانية، كما انه سيتسبّب عندها بخسارة ​الحزب الجمهوري​ الذي أوصله الى الرئاسة، رغم اعتراض عدد كبير من المنتمين الى الحزب لعدم اقتناعهم بأفكار ومواقف ترامب.

انها صدمة من العيار الخفيف بالنسبة الى الرئيس الاميركي، ولكن عليه الحذر من ان تكبر وتتوسع لأنّ نتائجها ستكون كارثية عليه وعلى الجمهوريين.