بعد ان تهاوت المعضلة امام تشكيل الحكومة العتيدة الواحدة تلو الاخرى، بقيت معضلة وحيدة عالقة وهي ما اصطلح على تسميته بـ"العقدة السنّية". وفي ظل التعنت الحاصل على هذا المستوى، بقيت الحكومة اسيرة هذه العقدة التي دخل الجميع في دوامتها، الا ان العديد من المراقبين والمتابعين لعملية التشكيل، يرون ان الحل يكمن في عبارة سحريّة تم استعمالها من قبل ​حزب الله​ وهو المعنيّ مباشرة بهذا الملف عبر تبنّيه نواب "اللقاء التشاوري" السّنة ومطلبهم بتوزير احدهم. اما العبارة فقد وردت منذ ايام ضمن ما نقل عن مصادر الحزب لجهة القول: "لن نخوض معارك نيابة عن أحد ونحن نقبل بما يقبل به حلفاؤنا"، واكدّه الامين العام للحزب ​السيد حسن نصر الله​ عندما قال شخصياً عند حديثه عن النواب الستة "ما يقبلون به، نحن نسلّم به".

نقاط كثيرة تضمّنها كلام نصر الله الاخير، منها علاقته بكل من رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ ورئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ و​القوات اللبنانية​ والنائب السابق ​وليد جنبلاط​، ومنها ما يتعلق بنفي ارتباط المشكلة الحكوميّة بالخارج، ومنها ما جعل البعض يشعر بالقلق من عودة الامور الى "المربّع الاول". ولكن، رغم كل ذلك، لا يمكن تجاهل نقطتين اساسيتين برزتا في الايام الماضية: الاولى تتمثل بدخول ​التيار الوطني الحر​ على الخط، والثانية اشتداد العصب السنّي الرافض لدفاع الحزب عن الطائفة السنّية.

في النقطة الاولى، كان غريباً بعض الشيء ان يعمد نائب رئيس المجلس النيابي ​ايلي الفرزلي​ وهو القريب من رئيس التيار الوطني الحر ​جبران باسيل​، ان يدعوه عبر الاعلام الى التدخل للمساهمة في حلّ المعضلة الحكومية، وان يلاقيه باسيل عبرالاعلان عن مساعٍ يقوم بها التيار في هذا المجال. اما ارتباط هذا التحرك بكلام نصر الله، فيعود الى ان الاخير شدّد على متانة العلاقة مع التيار البرتقالي وهو كان التقى باسيل قبل فترة قصيرة من القاء كلمته، وبالتالي فهو يعلم أن ثمّة تحرك ما يحصل في هذا السياق، ولا يرغب بالتأكيد ان يضع العصي في دواليب باسيل او رئيس الجمهورية الذي عمد الى استقبال الوزراء السنّة الستة في ​قصر بعبدا​ منذ ايام قليلة. ولعل التمهيد الذي وضعه الامين العام لحزب الله في شأن عدم الممانعة بحصول التيار والرئيس على اكثر من 11 نائباً، يؤشّر بوضوح الى موافقة على ما يقوم به التيار من مساع، ومنحه الثقة في هذا المجال، لايجاد المخرج الذي يراه مناسباً ويرضي الجميع.

اما في ما خصّ النقطة الثانية، فلا يمكن لأحد ان ينكر ان التوتر السنّي–الشيعي لا يحتاج الى مقدّمات او تهيئة، وان المساعي التي تبذل دائماً لابقائه بعيداً عن لبنان، لا تتوقف ويخوضها الجميع من الطائفتين لضمان نجاحها. الا ان هذا كلّه لا يمنع عدم ارتياح الطائفة السنّية من ان يقوم حزب الله بالدفاع عن مصالحها السياسيّة، ولا يستغرب الكثيرون ان يرتدّ ذلك سلباً على النواب الستّة انفسهم من حيث القاعدة الشعبيّة، وهي الحالة نفسها التي كانت ستتعاطى بها القاعدة الشيعيّة مع أيّ دفاع عن مصالحها من قبل حزب سنّي. وهذا الوضع مغاير تماماً لوضع تواجد نواب من بين هؤلاء الستّة ضمن كتل حزبيّة للحزب و​حركة امل​، فالانتخابات كانت تفرض انضمامهم الى اللوائح كي يصلوا الى المجلس، وما من مشكلة في تمثلهم ضمن الكتلة، اما ان يمثّلوا كتلة سنّية محض ويصلوا الى مجلس الوزراء عبر جسر شيعي وفي مواجهة رئيس حكومة سنّي، فهذا ما يثير القلق في الشارع السنّي، ولكن الامور لن تصل حتماً الى مواجهة طائفيّة.

وبين هذا وذاك، عودة الى "العبارة السحريّة"، فالمخرج يكمن في ارضاء النواب السنّة الستّة كي تسلك الحكومة طريق الولادة، عبر أيّ حلّ كفيل بحفظ ماء الوجه للجميع. ومع ابتداع هذا الحلّ السحري، يبقى معرفة هويّة الساحر الذي سيقوم به.