لم تجد الصحيفة الفرنسية "​ليبراسيون​" أفضل من "​لبنان​" لتكتب مقالا جاذبا عنه بغض النظر عن نتائج ما تكتب. الأحد نشرت الصحيفة مقالا بعنوان "الانهيار الخدماتي وشيك في بيروت" تحدثّت فيه عن النقص الحادّ الذي تعانيه العاصمة اللبنانيّة بيروت في الخدمات العامة المعيشيّة من كهرباء وماء، في ظل عدم تشكيل حكومة منذ الانتخابات النيابيّة في أيار الماضي.

لم تكتفِ الصحيفة بالمقدّمة، بل ذكرت أن "الخدمات العامة الأساسية في بيروت غير مؤمنة، والمياه غائبة عن المدينة بطريقة لا تُصدّق، وفي حال وجدت فهي ملوّثة إما لاحتوائها على البلاستيك كون لبنان يحتل المركز الثاني عالمياً باحتواء مياهه على البلاستيك، وإما مختلطة بماء البحر المالح في بعض المناطق"، مذكرة بما حصل منذ أسابيع في أحد الآبار ب​الضاحية الجنوبية​ حيث اختلطت مياه الاستعمال المنزلي ب​مياه الصرف الصحي​.

حسنًا لا شك بأن لبنان يعاني على كافة الصعد، ولكن ينبغي طرح التساؤل التالي: لماذا التركيز على تشويه صورة لبنان بكل المجالات، بدءا من الحديث عن تلوث الشاطىء العام اللبناني، مرورا بتلوّث ​مدينة جونية​ وتعميم مسألة اختلاط الصرف الصحي مع مياه الاستعمال المنزلي، وصولا اليوم الى هذا التقرير الذي للأسف لم يعتمد على دراسات وتحاليل واحصاءات ليقول أن الإنهيار مقبل، بل على "أحاديث سكان بيروت الذين يقولون أن الإنهيار هنا بات وشيكاً".

في دراسة أجرتها العام الماضي منظمة "أو آر بي ميديا" في جامعة ولاية نيويورك في فريدونيا، وجد الباحثون في نهايتها أن جزيئيات البلاستيك موجودة في 93% من العيّنات التي أخذت من 11 علامة تجارية عالميّة مثل: أكوافينا، نستله بيور لايف، إيفيان، أكوا وداساني، من 9 دول فقط هي ​الولايات المتحدة الأميركية​، البرازيل، الصين، الهند، إندونيسيا، كينيا، تايلاند، المكسيك ولبنان، فلماذا ذكر لبنان دون غيره من الدول ودون توضيح طبيعة الدراسة والمواد المستعملة فيها؟ وبالتالي هل تُباع هذه الماركات العالميّة في لبنان فقط، ليتمّ الإشارة إليه بشكل منفصل؟.

وأيضا في نهاية العام 2017، اعلنت نفس المنظمة في دراسة عن حلول لبنان في المركز الثاني في نسبة الألياف البلاستيكية في مياه الشرب، الا أن المياه المستعملة في التحاليل أخذت بحسب ما نُشر من نهر الليطاني وبيروت الكبرى والتي لا تُستعمل للشرب أبدا، رغم علمنا بنسب التلوث المرتفعة بمياهنا.

إن هذا النوع من المقالات يُعيدنا بالذاكرة الى الضجيج الإعلامي الذي رافق الاعلان عن تلوّث "الشاطىء العام" في لبنان في عزّ الموسم الصيفي، مع الاشارة الى أن التحقّق أثبت ان ليس كل الشاطئ ملوثًا بل ان المناطق الملوثة قليلة نسبة لتلك الخالية من التلوّث، كذلك نستذكر هنا حادثة المياه الملوّثة في أحد الآبار بالضاحية الجنوبية، والذي تبّين بعد الفحوصات أن ماء "مؤسسة المياه" لا تحتوي على تلوّث على الإطلاق، ليبدو مستغربا حديث الصحيفة الفرنسية عن أن المياه "إما ملوّثة بالبلاستيك، وإمّا مختلطة بمياه البحر، وإما ملوثّة بالبراز البشري".

منذ مدّة، نشرت وسيلة إعلامية صورة لفئران في مستودع أحد أكبر المحال التجاريّة اللبنانيّة، يومها بعد الصورة مباشرة بدأت تنخفض نسب المشتريات في المؤسسة حتى أقفلت، ونقلت أعمالها من لبنان بشكل نهائي. أنا لست من مؤيدي فكرة "المؤامرة" بكل شيء، ولكن اليوم هناك محاولة أو أقلّه يجب التدقيق بشأن وجود محاولة، عن حسن أو سوء نيّة، لضرب لبنان ببناه التحتيّة واقتصاده وسياحته، الأمر الذي يعني إقصاءه عن الخريطة العالميّة، فهل يتم استدراك الأمر من خلال العمل لتغيير الصورة وتغيير الواقع السيّء في عدد من المجالات أيضا؟.