حين تُقرِّر دولةٌ ما، الشُّروع في تنفيذ "أَجندة" مُكافحة الفساد، فإِنَّها ستتعرَّض حُكمًا لِسيف المُراقبين المُسلط على الحُكم فيها. وهنا تدخل مَنظومة لِجان "الدِّفاع عن حُقوق الإِنسان"... ما يَجعل كلَّ الأَوضاع تحت المِجهر!.

ومن هُنا قد يَرى المُواطن المُراقب سير عمل العهد الحاكم، أو الحُكومة العاملة، أَنَّ مَسيرة مُكافحة الفَساد يَسودها البطءُ الشَّديد، وكأَنَّ قافلتها ثابتةٌ لا حراك لها... ذلك أَنَّ سَيفَ الرَّقابة واختبارَ الانْضِباط يَكبحان جَماحَ مُحاربة الفَساد. ففي ​لبنان​ مثلاً دأَبَت وزارة الدّولة لشؤون ​مكافحة الفساد​ على إعداد التّقارير وإرسالها إلى ​القضاء​ للمتابعة، غير أَنَّ الملفَّات بأعدادِها المَهولة، تَجعل من الصّعب الإِسراع في بتِّها... ما يَنعكس استياءً شعبيًّا، بِخاصَّةٍ وأَنَّ لُبنان كان احتلَّ عام 2016، المرتبة 136 من أَصل 176، في "مُؤشِّر مُدرَكات الفساد"، من دون أَنْ تَسمح الظُّروف بتحسين هذه النَّتيجة المُخيفة!.

ولِلفَساد في لُبنان تاريخٌ عريقٌ، وهو قد شمل ملفَّاتٍ وصفقاتٍ ومناقصاتٍ عدَّة... غير أَنَّ ما لا يُساعد في مُكافحة الفساد، ضعف الإِطار القانونيِّ وغِياب الآليَّاتِ المُناسبة لِلتَّنفيذ وسط استمرار تفشِّي هذا الدَّاء! وهذا ما جعل وزير الدَّولة لِشؤون مُكافحة الفساد في لبنان ​نقولا تويني​، يكتفي بإِثارة ملفَّات الفساد وكشفها، فيما لو كانت آليَّة العمل تسمحُ له بِغير ذلك، لَكان حاربَ الفساد بالفعل".

بينما في الصِّين، وحين اعتَمدَت خطَّة مكافحة الفساد، أَنشأَت الحكومة وقتَها ما يُسمَّى بـ"اللَّجنة المركزيَّة لفحص الانْضِباط للحزب الشُّيوعيِّ"، والَّتي كان يَقودها مُساعد الرَّئيس الصِّينيِّ وانغ كيشان، الَّذي عُيِّنَ أَيضًا نائبًا له. غير أَنَّ هذه اللَّجنة، اتُّهمت بـ "الإِفلات من الرَّقابة القضائيَّة" عليها، ما قد يُلحق الظُّلم بِالمتَّهمين في قضايا الفساد.

كما وأَنَّ مِن المُفترض أَنْ تَكون لِجان الإِشراف على مُكافحة الفَساد مُستقلَّةً عن إِشراف الحزب الحاكِم أَو الحُكومة عَليها. إذًا المَطلوب أَلاَّ يَكونَ أَيُّ جِهازٍ مُراقِبٍ لِمكافحة الفَساد، خارجَ نِطاق رِقابة القَضاء عليْه.

وثمَّة وجهة نظر أُخرى تَتحدَّث عن استقلاليَّةٍ "ضروريَّةٍ" لِلجان الإِشراف على مُكافحة الفساد عن القبضة الحديديَّةِ لِلقضاء، بهدف الإِطاحة بِـ"مسؤولين نافِذين".

وفي هذا السِّياق حاولت الصِّين خلال مسيرتِها الإِصلاحيَّة الطَّويلة، أَنْ تعتمد إِشرافًا على اللِّجان المَذكورة، من خلال ما سمَّته "المجالس الشَّعبيَّة" والمَنوطة بأَعضائها تِقنيًّا مُهمَّة مُراقبة مُعظم أَشكال البيروقراطيَّة الصِّينيَّة. غير أَنَّ هذه الأَجهزة لم تَقُم فعليًّا بالكثير، ما دفع بِشو شينغكوي النَّائب السَّابق للأَمين العامِّ لمجلس الشَّعب الصِّينيِّ إِلى الاعتبار، في مقابلةٍ مع "تشاينا لو ريفيو"، أَنَّ "عملنا الإِشرافيَّ يُواجه بعض المشاكل". وأَضاف: "لا يَجرُؤ مجلس الشَّعب على الرَّقابة"... كما وأنَّ الرَّئيس الصِّينيَّ حذَّر بِشدَّةٍ، ومِرارًا من الفساد، وبخاصَّةٍ خلال لقائه "أعضاء البرلمان" في مدينة "تشونغ تشينغ"، الَّتي ابتُليت بِفضيحَتَي فسادٍ. و"تشونغ تشينغ" هي إِحدى أَهمِّ المُدن جنوب غربيِّ الصِّين. ويقول الرَّئيس الصِّينيُّ في هذا الإطار، إنَّ "البيئة السِّياسيَّة مثل الطَّبيعة، إِذا رفعْتَ نظرَك عنها لِلحظةٍ، من اليَسير أَنْ تتلوَّثَ". وهو يُضيفُ: "على المَسؤولين أَنْ يُمثِّلوا القُدوة الحَسَنة وأَنْ يَكونوا مواطنين ذوي أَخلاقٍ، ومُلتزِمين بِالقانون. وقال إِنَّ ضمان المسؤول عدم فسادِ أَيٍّ من أَفراد أُسرته، يُمثل أَولويَّةً قُصوى".

ولا بُدَّ مِن الإِشارة أَيضًا إِلى أَنَّ الحملة الَّتي أَطلقها الرَّئيس الصِّينيُّ ​شي جين بينغ​ لِمحاربة الفَساد قد طاولت عددًا كبيرًا من "المسؤولين في الحكومة، وعلى اختلاف مستوياتهم".

ومِن الخُطوات الواجبِ التَّنبُّه لها في مجال محاربة الفساد في أَيِّ دولةٍ، المضيُّ في الحملة الرَّسميَّة لمكافحة الرِّبح غير المشروع. وللحديثِ صلة.