بعد موقف أمين عام "​حزب الله​" السيّد ​حسن نصر الله​ الحازم من مسألة توزير أحد نوّاب "اللقاء التشاوري" يوم السبت الماضي، جاء موقف رئيس الحُكومة المُكلف ​سعد الحريري​ حازمًا أيضًا في رفضه سياسة الفرض، مُحمّلاً "الحزب" المسؤولية المُباشرة عن تعطيل تشكيل الحُكومة في هذه المرحلة، ومُتعمّدًا الإضاءة على أنّ "حزب الله" كان يُفاوض بإسم نوّاب "اللقاء التشاوري"، وذلك في مُحاولة لتجريدهم من إستقلاليّتهم. فكيف يُمكن أن تنتهي عمليّة "شدّ الحبال" القاسية هذه؟.

بداية، لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ وزير الخارجية والمُغتربين في حُكومة تصريف الأعمال ​جبران باسيل​ الذي دخل سريعًا على الخطّ، مُحاولاً التوصّل إلى مخرج ما للمُشكلة قبل تفاقمها أكثر، كان واضحًا بأنّه يعمل لإيجاد الحلّ، لكن ليس على قاعدة أنّ "المُصلح يأكل تلتين القتلة"، الأمر الذي فُسّر بأنّه رفض إستباقي لأن يكون الحلّ عبارة عن إنتزاع المقعد السنّي من حصّة رئيس الجمهوريّة العماد ​ميشال عون​. وبحسب المعلومات المُتوفّرة، فإنّ ما نقلته مصادر صحافيّة وإعلاميّة في الأيّام القليلة الماضية عن رئيس "تيّار المُستقبل"، بأنّه يرفض توزير أحد نوّاب "اللقاء التشاوري" حتى لوّ من حصّة الرئيس، لا يُعبّر حقيقة عن موقف الحريري بقدر ما هو تسريب مُتعمّد من جانب رئيس الحُكومة المُكلّف، وذلك لحماية حصّة رئيس الجُمهوريّة الحُكوميّة.

تذكير أنّه في حكومة ثلاثينيّة، يتقاسم كلّ من المسيحيّين والمُسلمين المقاعد بمجموع 15 وزيرًا لكل طائفة، ويحصل كل من السُنّة والشيعة على ست وزارات والدُروز على ثلاث وزارات بحسب التقسيم المذهبي المُعتمد والخاص بالحصّة غير المسيحيّة. ومن بين الوزارات الستّ للمذهب السُنّي، يجب حسم المقعد الخاص برئيس الحُكومة السُنّي نفسه، وحسم الوزارة التي إتفق رئيس الحُكومة المُكلّف على تبادلها بوزارة مسيحيّة مع رئيس الجُمهوريّة، ما يبقي أربع وزارات على طاولة مجلس الوزراء. وقد كشف الحريري في مؤتمره الصحافي عمّا كان يتمّ تناقله همسًا من إتفاق مع رئيس الحُكومة السابق النائب نجيب ميقاتي بتمثيل كتلة "الوسط المُستقلّ" بشخصيّة سنيّة يُسمّيها ميقاتي شخصيًا، ما يعني بقاء ثلاث وزارات سنّية من حصّة "تيّار المُستقبل" إضافة طبعًا إلى موقع رئيس الحُكومة. وبالتالي، كان من الطبيعي أن يؤكّد الحريري عدم قُدرته على تقديم أيّ تنازلات جديدة، إلى جانب إعلان رفضه لسياسة الفرض، وللتدخّل في السُلطات التي يمنحها الدُستور لرئيس الحكومة المُكلّف بتشكيل الحُكومة بالتعاون مع رئيس الجُمهوريّة حصرًا، وكذلك إلى جانب تشديده على أنّه يعرف مصلحة السنّة وأنّه "بَيّ السنة في لبنان".

والسؤال الذي يفرض نفسه في ظلّ هذا التضارب في المواقف بين كل من "المُستقبل" و"حزب الله" اللذين لم يعد من المُمكن أن يتراجع أيّ منهما عن مواقفه، كيف يُمكن الوُصول إلى حلّ؟ وفي هذا السياق، صارت الخيارات ضيّقة، وأبرزها:

أوّلاً: أنّ يتمّ إيجاد مخرج لائق يسمح بتراجع نوّاب "اللقاء التشاوري" عن مطلبهم مع حفظ ماء وجههم وبغطاء من أعلى المرجعيّات الرئاسيّة أو الدينيّة، بحجّة أنّ النوّاب من خارج "تيّار المُستقبل" سيُمثّلون في الحُكومة عبر شخصيّة يُسمّيها رئيس الجُمهوريّة، وعبر مُمثّل عن كتلة رئيس "تيّار العزم" سيكون من منطقة الشمال، لكنّ حتى الساعة لا بَوادر بأن يتصرّف نوّاب "سُنّة 8 آذار" بهذا الزُهد السياسي، ما يعني أنّ هذا المخرج مُقفل حتى إشعار آخر.

ثانيًا: أن يُضحّي رئيس الجُمهوريّة بأحد مقاعده، وتحديدًا بالمقعد السنّي الذي ناله، وهنا يُوجد أكثر من إحتمال. فإذا جرى تسمية وزير من نوّاب "اللقاء التشاوري" لهذا المقعد، فسيكون من خارج حصّة رئيس الجُمهوريّة تمامًا، لأنّ الرئيس لا يقبل أن يكون طرفًا سياسيًا مُنحازًا لأي جهة، وستتقلّص بالتالي حصّة الرئيس الوزاريّة. أمّا إذا جرى تسمية وزير سُنّي وسطي بالتوافق بين الرئيس عون ونوّاب "اللقاء التشاوري" و"حزب الله"، فعندها يُمكن أن يكون الوزير المذكور مُستقلاً نسبيًا، لكن محسوبًا على حصّة الرئيس في نهاية المطاف، كما حصل عند حلّ "العقدة الدرزيّة". لكن حتى الساعة، لا يبدو أنّ رئيس الجمهورية في وارد التنازل عن أحد مقاعده الوزاريّة، ولا عن مجموع "الثلث الضامن أو المُعطّل" عند إحتساب حصّته وحصّة "التيّار الوطني الحُرّ"، ولا يبدو في المُقابل أنّ نوّاب "اللقاء التشاوري" ومن يقف وراءهم، في وارد تسميّة شخصيّة وسطيّة من قبلهم.

إشارة إلى أنّ مصادر سياسيّة مُطلعة فسّرت ما قصده الوزير باسيل عندما تحدّث أخيرًا عن تنازل مطلوب من جانب كل من "المُستقبل" و"حزب الله" و"اللقاء التشاوري" بنسبة الثلث لكلّ منهم، بأن يتنازل الحريري عن أحد الوزراء السنّة من حصته، لكن على ألا تؤول هذه الوزارة إلى أحد نوّاب "اللقاء التشاوري" بل إلى شخصيّة سنيّة توافقيّة بين الجميع، بحيث يكون التنازل مُشتركًا بين الجهات الثلاث المعنيّة، لكن لا يبدو أنّ الحريري في وارد التخلّي عن وزير إضافي من حصّته، ولا "حزب الله" أوعز إلى "نوّاب اللقاء التشاوري" بإعلان مُوافقتهم على هكذا طرح.

في الختام، الأكيد أنّه وبعيدًا عن التموضعات السياسيّة والمذهبيّة المُتناقضة، تُوجد حال من التململ الشعبي الواسع في صُفوف اللبنانيّين من مخُتلف الطوائف والإنتماءات السياسيّة ممّا آلت إليه الأوضاع السياسيّة والإقتصاديّة والحياتية، حيث صار الهمّ المعيشي يتقدّم على الأهواء السياسيّة بفارق كبير. وفي الوقت الذي تُواصل الخلافات السياسيّة الداخليّة الأكل من صحن العهد الرئاسي، تُوجد أغلبيّة شعبيّة رافضة لأي عرقلة جديدة لتشكيل الحُكومة،لأنّ هُموم الناس في مكان آخر مُختلف عن أجندات الدُول الإقليميّة!.