خلافاً لتوقّعات كثيرين، جاء المؤتمر الصحافي للرئيس المكلّف ​سعد الحريري​ منتظماً ضمن «قواعد الاشتباك»، فلم ينسفها أو ينقلب عليها، بل اندرج ردّه على خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» السيد ​حسن نصرالله​ تحت سقفها. هذا هو الانطباع الذي ساد لدى قوى في ​8 آذار​ وأوساط قريبة من «الحزب»، بعد انتهاء الحريري من كلامه.

والحريري الذي سبق له أن أكّد أنّه سيكون مختلفاً في «طبعة 2018» ، بدا في المحصلة الإجمالية لمؤتمره الصحافي أكثر واقعية وبراغماتية، قياساً على سلوكه في السنوات الماضية، حين كان قراره أسير الإنفعال أو رهينة الأوصياء السياسيين عليه.

لقد ظهر الحريري وكأنّه اكتسب مهارة لاعبي السيرك، فمشى فوق حبل رفيع، محاذراً السقوط من خلال اعتماد التوازن الدقيق بين ضرورة محاكاة قواعده عبر الردّ الموضعي على مواقف نصرالله، ومحظور ضرب التسوية السياسية الكبرى والاندفاع نحو اعتذار غير محمود العواقب.

بهذا المعنى، إعتمد الحريري في هجومه المضاد تكتيك الكرّ والفرّ، استناداً الى «توليفة» مدروسة تحافظ على ماء وجهه من جهة وتحفظ خط الرجعة من جهة أخرى.

لم يتجاوز الحريري في طروحاته الخطوط الحمر، فلم يقطع الخيط مع «حزب الله» على رغم انتقاداته الحادّة له، ولم ينزلق الى مغامرة غير محسوبة تحت ضغط التعبئة في بيئته، وهو الذي يُدرك جيداً انّ الاعتذار عن التكليف في هذه اللحظة سيكون مُكلفاً له.

ربما شعر الحريري أنّ أقصى الممكن الآن هو الاختيار بين السيئ والاسوأ، فقرّر ان يبقى رئيساً مكلّفاً على تخوم ​السراي الحكومي​، بدلاً من أن يفقد هذه «الحصانة» ويعود رئيساً سابقاً للحكومة. لقد اكتشف، على الأرجح، انّ خوض المواجهة من الداخل تظل، أياً كانت صعوبتها، أقل ضرراً من خوضها خارج السلطة.

وما يمكن استنتاجه ايضاً، بين سطور مواقف الحريري، ليونته في مقاربة «الكيان السياسي» للنواب السنّة المستقلّين عن تيار «المستقبل»، وإقراره بحيثيتهم التمثيلية في الطائفة، وحرصه على عدم التجريح الشخصي بهم، بعدما كان الخطاب المُستخدم ضدهم يذهب في اتجاه تهميشهم ونزع الشرعية السنّية عنهم واتهامهم بأنّهم أدوات ​النظام السوري​ في ​لبنان​.

وكان واضحاً، أنّ المسعى التوفيقي الذي بذله الوزير ​جبران باسيل​ خلال الساعات الماضية قد فعل فعله، ونجح في تخفيض سقف إطلالة الحريري التي من المرجّح ان تعطي قوة دفع إضافية لوساطة باسيل، وإن تكن مهمته ليست سهلة وسط الـ«لاءات» المتبادلة بين الأفرقاء المعنيين، في ظل إصرار الرئيس المكلّف على عدم تمثيل سنّة 8 آذار في الحكومة ورفض «اللقاء التشاوري» التنازل عمّا يعتبره حقّه في مقعد وزاري، وثبات «حزب الله» على دعم مطلب حلفائه.

وإذا استمر الانسداد في شرايين العقدة السنّية، يُفترض أن تعود الكرة الى ملعب رئيس الجمهورية، الذي قد يكون الأقدر على معالجة الأزمة من حصّته، وفق مصدر في 8 آذار، يعتبر انّ الحريري لم يخرج في ردّه على نصرالله عن قواعد اللعبة، ولم يوصد الابواب أمام احتمال التسوية، التي أوحى ضمناً بأنّ مفتاحها موجود في ​قصر بعبدا​.

وعلمت «الجمهورية»، انّ باسيل شدّد خلال لقائه أمس الاول مع عضو «اللقاء التشاوري» النائب ​فيصل كرامي​، على ضرورة تهدئة الخطاب السياسي وإبداء مقدار من المرونة لتسهيل إمكان التلاقي حول حل وسط، مؤكّداً انّه «لا مصلحة ولا رغبة في دفع الحريري نحو الاعتذار، وانّ هذه المرحلة تحتاج الى بقائه في رئاسة الحكومة»، واعتبر «انّ هناك ضرورة للتنازل قليلاً من قبل الحريري و»حزب الله» والسُنّة المستقلّين حتى نصل الى تسوية مقبولة لدى الجميع.

وهنا، لفت كرامي انتباه باسيل الى «انّ ما نطالب به هو مقعد وزاري واحد، وبالتالي ما الذي يمكن ان نتنازل عنه في هذا الوضع». وأضاف مبتسماً: «هل علينا ان نتخلّى عن ولد من أولادنا؟».