كما كان متوقّعاً، لم يرفع رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ مستوى ردّه على الأمين العام لـ"​حزب الله​" ​السيد حسن نصر الله​ إلى حدّ "الاعتذار" عن عدم تشكيل الحكومة، رفضاً للخضوع للشروط التي تُملى عليه من هنا أو هناك.

اكتفى الرجل بتكرار مواقفه المعروفة لجهة رفضه توزير "سُنّة ​8 آذار​"، من دون أن يلزم نفسه بمواقف قد تطيح بها أيّ "تسوية" يمكن التوصّل إليها في نهاية المطاف، وفي ضوء المسعى الذي بدأه وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال ​جبران باسيل​.

رغم ذلك، يمكن الحديث عن "بحصة بقّها" الحريري في مؤتمره الصحافي الأخير، تتعلق بـ"الشراكة" بينه وبين رئيس الحكومة الأسبق ​نجيب ميقاتي​، واتفاقه مع الأخير على وزير سُنّي في الحكومة الثلاثينيّة.

لا شكّ أنّ الحريري أراد من كشف النقاب عن ذلك دحض تهمة "احتكار" تمثيل الطائفة السنيّة حكومياً، ولكن، هل يمكن أن تكون هذه الخطوة بوّابة الحلّ؟ ولماذا يحقّ لميقاتي ما لا يحقّ لسُنّة "8 آذار"؟!.

عصفوران بحجر

لم يكشف الحريري عبثاً عن اتفاقه مع ميقاتي على "حصّة" للأخير في الحكومة، بعدما حرص الرجلان على "إخفاء" الأمر طيلة الأسابيع الماضية، وفي عزّ مرحلة المفاوضات الحكوميّة، وإن رجّحه الكثيرون خصوصاً في ضوء "صمت" ميقاتي وعدم رفعه الصوت عالياً في مطالبته بالتمثيل الحكوميّ، رغم اعتباره أنّ المعايير التي تنطبق على الكثيرين ممّن وُزّروا تنطبق عليه، وهو الذي يرأس كتلة رباعيّة في المجلس النيابي.

لا شكّ أنّ الحريري، مسنوداً بخصمه الشرس سابقاً وحليفه أو بالحدّ الأدنى شريكه اللدود اليوم، أراد من ذلك ضرب أكثر من عصفور بحجرٍ واحد، بل توجيه "ضربة قاضية" إلى "مناظرات" من صنّفوا أنفسهم "السنّة المستقلّين" ومَن خلفهم في الصميم، عبر إظهار "بطلان" الحُجَج التي يكرّرونها ليلاً نهاراً، وفي كلّ إطلالاتهم الإعلامية، والتي خصّص لها السيد نصر الله الحيّز الأكبر من خطابه الأخير.

ولعلّ العصفور الأول الذي ضربه الحريري في هذا الإطار يتمثّل بدحض تهمة "احتكار التمثيل السنّي" في الحكومة. هو أراد القول بوضوح إنّ هناك وزيرَيْن سنّييْن غير محسوبيْن عليه، واحدٌ ذهب إلى حصّة رئيس الجمهورية، وآخر اتفق عليه مع ميقاتي. وإذا كان الوزير السنّي من حصّة الرئيس يخضع للقيل والقال، باعتبار أنّه حصل عن طريق "المبادلة"، ما يجعل الحريري غير مقنِع بالحديث عن "تنازل" من خلاله، فإنّ الوزير الثاني ذهب إلى ميقاتي الذي نجح في الانتخابات التي خاضها بمواجهة "تيار المستقبل"، ما يجعله ممثل السنّة المعارضين للتيّار في الحكومة.

وإذا كان الحريري أراد من خلال "بقّ هذه البحصة" القول بأنّه لم يكسر معايير تأليف الحكومة في ضفّتها السنيّة، والتي تقضي بعدم احتكار طرفٍ واحدٍ لأيّ طائفة في الحكومة، والتي كان الوزير باسيل كرّرها في اليومين الماضيين، فإنّ العصفور الثاني الذي أطلقه في وجه "سُنّة 8 آذار"، ربطاً بذلك، يرتبط بالمعايير أيضاً، من خلال الإقرار بحقّ ميقاتي التمثّل في الحكومة، هو الذي أتى إلى الاستشارات النيابية على رأس كتلة رباعيّة، بعكس "السنّة المستقلّين" الذين أتوا إما فرادى، وإما ضمن تكتّلاتٍ نالت حصّتها من التمثيل الوزاريّ.

"استنسابية"؟!

لا شكّ أنّ "المنطق" الذي يستند إليه الحريري في تبرير تمثيل ميقاتي من دون "سُنّة 8 آذار" يبدو مستقيماً في مكانٍ ما، خصوصاً أنّ مشكلة "اللقاء التشاوري السنّي" الأساسيّة تكمن في أنّه لم ينشأ إلا بعد الاستشارات النيابية، ما يثبّت النظرية القائلة بأنّ كتلته "مصطنعة" بهدف التوزير ليس إلا، علماً أنّ المطلب كان في البدء تمثيل السّنة غير المنخرطين في "تيار المستقبل"، بمن فيهم ميقاتي، قبل أن يُحصَر بالنواب الستّة الذين وافقوا على الانضمام إلى تكتل واحد.

إلا أنّ هذا المنطق، الذي سارع "سُنّة 8 آذار" إلى رفضه والتمسّك بشرطهم توزير أحد النواب الستّة الممثَّلين في إطار "اللقاء التشاوري السنّي"، يصطدم في مكانٍ ما بـ"استنسابية" يعبّر عنها هؤلاء بتساؤلهم، لماذا يحقّ لكتلة ميقاتي ما لا يحقّ لكتلة اللقاء التشاوري؟.

هم لا يعتبرون الحُجّة القائلة بأنّ عدم الذهاب إلى الاستشارات بكتلة واحدة مبرّراً لاستثنائهم من الحكومة، خصوصاً أنّ القاصي والداني يعلم أنّ الاستشارات كانت جانباً "شكلياً"، وأنّ المفاوضات الحكوميّة لم تبدأ عملياً إلا بعدها، حين كان التكتّل قد نشأ، وأعلن مطالبه صراحةً، وجميع المسؤولين يدركون ذلك، وفي مقدّمهم رئيس الحكومة المكلف، وإن اختار "تجاهل" الأمر بكلّ بساطة، وكأنّه لم يكن.

أما "الاستنسابيّة الأكبر"، برأي هؤلاء، فتكمن في اعتبار الحريري كتلة فيها نائبٌ سُنّي واحد هو ميقاتي، أحقّ بالتمثيل من كتلةٍ سداسيّة أعضاؤها الستّة هم حصراً من النواب السنّة المُنتخَبين من الشعب، وبشكلٍ خاص من السنّة، بمعزلٍ عن رأي الحريري بهم وموقفه منهم. ويستذكر النواب السنّة في هذا الإطار موقف الحريري الذي كان واضحاً ممّا عُرِف بـ"العقدة الدرزية"، وهو الذي لم يتردّد في إعلان تضامنه صراحةً مع رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط في رفض تمثيل النائب طلال أرسلان، الذي ترأس كتلة رباعيّة ثلاثة من أعضائها مسيحيون، رغم أنّ هذه الكتلة، مثلها مثل كتلة ميقاتي ذهبت إلى الاستشارات متّحدة، ما يضرب بالتالي موقف جنبلاط بالكامل، ويثير علامات الاستفهام حول "معايير" الحريري التي يقول إنه يتمسّك بها.

"محاولة لن تنجح"؟

من حيث الشكل، تبدو محاولة الحريري الخروج من عنق "العقدة السنية" عبر إعلان توزير سُنّي محسوب على رئيس الحكومة الأسبق النائب نجيب ميقاتي موفّقة. فهو بذلك لا يدحض تهمة "الاحتكار" فحسب، بل يؤكد تمثيل "معارضيه" داخل الحكومة، التزاماً بالمعايير المُعلَنة لتشكيل الحكومة، والمطبّقة على الجميع من دون استثناء.

أما من حيث المضمون، فلا يبدو أنّ هذه المحاولة ستنجح لاعتبارات وحسابات كثيرة، يلخّصها "سُنّة 8 آذار" بإعلانهم أنّهم "غير معنيّين" بما اتفق عليه الحريري مع ميقاتي، وبتمسّكهم، مدعومين من "حزب الله"، بشرطهم تمثيل أحدهم، مع نقطة على السطر، تشبه النقطة التي وضعها الحريري، ما يترك الحكومة في مهبّ الريح إلى أجلّ غير مسمّى...