منذ 75 عاماً، ومشكلة ​سوريا​ و​لبنان​ مطروحة على بساط البحث، فالتقارب الجغرافي والعائلي ضرب عميقاً في جذور الشعبين الجارين، وساهمت اللوعة من الاحتلال التركي والفرنسي في التحام هذا الرابط بين اللبنانيين والسوريين. ولكن المشاكل بدأت عند الاعلان عن استقلال لبنان، اذ لم يتقبل بعض اللبنانيين هذا الامر، وادى ارتباطهم بسوريا والسوريين الى "ممانعة" الفصل بين البلدين، فيما لم تعمل سوريا من ناحيتها على التخفيف من هذا الامر، بل تركت الامور تأخذ مجراها.

شيئاً فشيئاً تفاعلت الامور سلباً في لبنان، وبات الانقسام واضحاً حيال الاستقلال، وكي لا نستعرض شريط التطورات المعروف سلفاً، وضعت سوريا يدها على لبنان بموافقة اقليميّة ودوليّة لسنوات طويلة، الى ان انسحبت منه عسكرياً عام 2005 بعد رفع الغطاء الدولي عن هذا التواجد. اليوم، تبرز معضلة جديدة عشية الذكرى الـ75 لاستقلال لبنان، حيث عاد الاشكال حول وصف الوجود السوري في السابق وما اذا كان احتلالاً ام شرعياً. ولكن، الموضوعية تفرض ان يعترف الجميع بأن الوجود السوري كان احتلالاً للبنان وكانت سوريا تسيطر عليه عسكرياً وامنياً وسياسياً، ولو بموافقة شريحة من اللبنانيين الذين قبلوا هذا الواقع المفروض وتعايشوا معه لسنوات، الى ان حلّ العام 2005 وما حمله في هذا المجال. هناك حقبة من الزمن لا يمكن نكرانها او تغييرها، ولا تعني موافقة قسم من اللبنانيين عليها على ان تضفي صفة الشرعية على هذا الوجود، وهناك ممارسات على اكثر من صعيد دلّت بما لا يقبل الشك على ان السوريين كانوا بالفعل يحتلّون لبنان ويفرضون وصايتهم عليه.

اليوم، لم يعد السوريون في لبنان، ولكن الوضع الحالي يشابه الى حد كبير الوضع الذي سبق فترة الاحتلال، فهناك قسم من اللبنانيين لا يزال غير مستعد لتقبّل فكرة الاستقلالية وان سوريا منفصلة عن لبنان رغم التقارب الجغرافي والعائلي، وهو يعمل على ابقاء هذا الشرخ اللبناني قائماً، علماً ان الاستقلال لا يعني ابداً اعتبار سوريا بمثابة عدوّ لنا، وهذا ما اوضحه ​رئيس الجمهورية​ الحالي العماد ​ميشال عون​ الذي يدعو الى علاقات طيّبة مع سوريا من مبدأ المجاورة والمصالح المشتركة، مع الاحتفاظ بالخصوصيّات لكل بلد وشعب. لا يمكن الاعتماد فقط على الخارج كي نضع الامور في نصابها الصحيح، فما المانع ان نصف الفترة التي تواجدت فيها سوريا عسكرياً في لبنان بأنها احتلال ووصاية وقد انتهت؟ هل على ​فرنسا​ مثلاً (بحكم تقاربها الجغرافي مع ​المانيا​) ان تعادي المانيا مدى الحياة او تخضع لها بطريقة او بأخرى بسبب ما حصل خلال الحرب العالمية؟ هل اعتراف المانيا باحتلالها لفرنسا -ومعظم دول اوروبا- يعني انه يجب ان تكون معزولة وان تتم محاربتها طوال الوقت واعتبارها عدواً لا يمكن التقارب معه؟ وهل يمكن القول ان فرنسا التي كان قسم منها مرتاح للتعامل مع الالمان خلال الحرب، يجب ان يبقى شعبها منقسماً على نفسه في ما خص طريقة التعاطي مع المانيا وكيفية توصيف ما قامت به خلال فترة سابقة؟.

ليس هناك من عدواة بالمطلق وتلاحم بالمطلق، فالخلاقات واردة حتى بين افراد البيت الواحد، الا انه يجب دائماً مواكبة التطورات، والتعلّم من الماضي لتفادي اخطائه وآلامه وانعكاساته السلبية على الجميع، والاهتمام بما يؤمّن مصلحة مشتركة لبلدين وشعبين متجاورين.

لا يجب ان يبقى استقلال لبنان مناسبة دائمة لفئة من اللبنانيين من اجل اظهار عدم تقبّلها لحدث يفتخر به الجميع وعمره 75 عاماً، ووقفة جسّدت تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الطائفيّة والسياسيّة الضيّقة. هنيئاً للبنان استقلاله، وهنيئاً لسوريا استقلالها، ولنتطلع الى المستقبل مع التعلم من اخطاء الماضي.