يستمرّ التعثّر على خط تشكيل الحُكومة الجديدة، وتسقط المهلة تلو المهلة! ومع حُلول ذكرى ​عيد الإستقلال​ من دون حُكومة، سقطت مهلة أخرى، ليتم حاليًا الحديث عن مهلة جديدة هي مطلع العام 2019 المُقبل، في الوقت الذي تزداد فيه الأوضاع الإقتصاديّة والحياتيّة تدهورًا! فهل من بصيص أمل للخروج من هذا المأزق، في ظلّ المُحاولات التي يقوم بها وزير الخارجيّة والمُغتربين في حُكومة تصريف الأعمال ​جبران باسيل​؟.

منذ لحظة تعويم "عقدة" تمثيل أحد نوّاب "اللقاء التشاوري"، كان واضحًا أنّ الحلّ لا يُمكن إلا أن يكون على حساب فريق دون سواه، حيث لا مجال لأيّ مخرج وسطيّ يحفظ حصص ومطالب الجميع، على الرغم من كل ما يتردّد في هذا السياق. والتحرّك الذي قام به الوزير باسيل كان قد بدأ تحت شعار ألاّ ينال المُصلح "تلتين الأتلة"، وتواصل حتى الساعات القليلة الماضية في ظلّ مبدأ رفض أن يكون الحلّ على حساب حصّة رئيس الجُمهوريّة، علمًا أنّ تنازل الرئيس العماد ​ميشال عون​ عن المقعد السنّي لصالح تمثيل أحد نوّاب "اللقاء التشاوري" كفيل بإخراج كل من رئيس الحكومة المُكلّف ​سعد الحريري​ وأعضاء "اللقاء التشاوري" ومن خلفهم "​حزب الله​"، رابحين. لكنّ رئيس "التيّار الوطني الحُرّ" كان واضحًا أنّ تنازل الرئيس عون عن المقعد السنّي لحلّ "العقدة"، يجب أن يترافق مع تنازل رئيس الحكومة المُكلّف عن المقعد الماروني ومع إعادته إلى حصّة الرئيس، الأمر الذي أعاد الأمور إلى نقطة الصفر. فتنازل رئيس الجمهوريّة عن المقعد السنّي لصالح تمثيل أحد نوّاب "اللقاء التشاوري"، يعني الإستجابة لمطلبهم ولمطلب الجهات السياسيّة التي تدعمهم، ويعني أيضًا عدم المسّ بالحصّة الوزاريّة الإجماليّة لرئيس الحكومة المُكلّف. أمّا المُطالبة بسحب الوزير الماروني من حصّة رئيس الحُكومة المُكلّف، في مُقابل تنازل هذا الأخير عن المقعد السنّي الذي كان قد جرى تجييره للرئيس، يعني عمليًا إنقاص حصّة رئيس "تيّار المُستقبل" بوزير.

إشارة إلى أنّ سحب أحد الوزراء من حصّة رئيس الجمهوريّة من دون بديل، يعني عمليًا تراجع حصّة كل من الرئيس و"التيّار الوطني الحُرّ" من 11 إلى 10 وزراء، وبالتالي فُقدان ما يُسمّى "الثلث الضامن أو المُعطّل"، وهو أمر مرفوض من جانب "التيّار العَونيّ" كما أثبتت المُفاوضات المُضنيّة التي قامت على خطّ تشكيل الحُكومة في الأشهر الماضية. وكذلك الأمر إنّ سحب أحد الوزراء من حصّة رئيس الحكومة المُكلّف–بغضّ النظر أكان سنيًّا أم مسيحيًا، يعني تراجع حصّة الحريري الإجماليّة من 5 إلى 4 على طاولة مجلس الوزراء، لأنّ رئيس الحُكومة المُكلّف سبق وتعهّد بمنح كتلة رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي وزيرًا في الحُكومة المُقبلة. وفي حال التنازل عن مقعد وزاري آخر لصالح نوّاب "اللقاء التشاوري" تتراجع حصّته إلى أربعة وزراء سُنّة من أصل ستة (من بينهم رئيس الحكومة نفسه). وبالتالي، إنّ تنازل رئيس الحُكومة المُكلّف عن المقعد الوزاري المسيحي، بالتزامن مع تنازله عن مقعدين سنيّين من أصل ستة، يعني عمليًا تقلّص حصّته الإجمالية إلى 4 فقط، وعجزه بالتالي عن الحُصول على الثلث زائد واحد في أي عمليّة تصويت على طاولة مجلس الوزراء، حتى مع إحتساب حصّة كل من حزبي "القوات اللبنانيّة (4 وزراء)، والتقدمي الإشتراكي (وزيران).

إشارة إلى أنّ أوساط "تيّار المُستقبل" تواصل التشكيك بأحقيّة نوّاب "اللقاء التشاوري" بالتمثّل في الحُكومة، باعتبار أنّ كتلتهم مُصطنعة ومُركّبة لدوافع سياسيّة، خاصة وأنّ نائبين ضُمنها ينتميان إلى كتل سياسيّة مُختلفة، وهما النائب الوليد سكريّة (كان فاز بمجموع 6916 صوتًا)، والنائب ​قاسم هاشم​ (6012 صوتًا)، ما يجعل تمثيلهم مرّتين مسألة غير منطقيّة، علمًا أنّه بإمكان أعضاء أي كتل أخرى عندها، التجمّع تحت أيّ مُسمّى والمُطالبة بحصّة وزاريّة غير الحصّة الأولى! وتعتبر أوساط "تيّار المُستقبل" أنّ "لائحة العزم" الإنتخابيّة هي أحقّ بالتمثّل في الحُكومة كونها نالت ما مجموعه 42,019 صوتًا، وحاز رئيسها رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي على 21,300 صوت وحده، في مُقابل نيل لائحة "الكرامة الوطنيّة" ما مجموعه 29,101 صوتًا، وحيازة كل من النائبين العُضوين فيها ​جهاد الصمد​ على 11,897 صوتًا، و​فيصل كرامي​ على 7,126 صوتًا. وتُصرّ أوساط "المُستقبل" على أنّ مرشّحي "التيار الأزرق" الحزبيّين منهم وغير الحزبيّين، كانوا قد نالوا خلال الإنتخابات الأخيرة ما مجموعه 256,092 صوتًا، ما يُخوّلهم تمثيل الطائفة.

إشارة إلى أنّه في حال إحتساب مجموع ما ناله كل من النائبين الصمد وكرامي مع أصوات النائبين ​عبد الرحيم مراد​ (15,111 صوتًا)، و​عدنان طرابلسي​ (13,018 صوتًا) يرتفع مجموع ما ناله هؤلاء النوّاب الأربعة، إلى 47،152 صوتًا. وفي حال إضافة مجموع النائبين سكريّة وهاشم اللذين ينتميان إلى كتل سياسيّة أخرى، يرتفع المجموع إلى 60,080 صوتًا. وحاز أيضًا كل من النوّاب ​فؤاد مخزومي​ 11,346 صوتًا، و​أسامة سعد​ صيدا 9,880 صوتًا، و​بلال عبد الله​ 8,492 صوتًا، ما يعني تشتّت الأصوات الخارجة عن عباءة "تيّار المُستقبل" بشكل واضح.

في الخُلاصة، لا بُد من الإشارة إلى أنّ حق تمثيل النُوّاب العشرة السُنة الذين فازوا في الإنتخابات النيابيّة الأخيرة، من خارج إصطفاف "تيّار المُستقبل"، وذلك من أصل 27 نائبًا هم مجموع النوّاب السُنة في مجلس النوّاب بحسب الدُستور اللبناني، يجب أن يذهب بالدرجة الأولى إلى النائب الذي حاز على أكبر عدد من الأصوات، أي رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي. فالأرقام وحدها تتكلّم، خاصة عندما يكون الخلاف مُرتبطًا بمدى أحقيّة تمثيل كتلة سياسيّة جرى تركيبها بعد الإنتخابات لأجندات سياسيّة مرسومة.