يحتفل ​لبنان​ بذكرى استقلاله الخامس والسبعين في ظلّ شبه فراغ حكومي نتيجة عدم تشكيل الحكومة.

طبعاً، يحقّ للبنان أن يحتفل بعيد استقلاله وأن يتلقى التهاني، فسيادة وحرية واستقلال الوطن نصر مستدام. ولكن، في واقعنا وتاريخنا الحديث، يغيب عن الكثيرين من السياسيين المحليين والعرب، قبل الأجانب، التذكير أنّ كيلومترات مربعة من أرض لبنان هي تحت الإحتلال الإسرائيلي ومن الواجب الوطني والعربي العمل أقلّه سياسيا، على تحريرها.

مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر في غياهب النسيان أو التناسي.

واقعياً، سياسياً وقانوناً إنّ جزءًا من الأراضي اللبنانية يرزح تحت الاحتلال ولشعب لبنان كامل الحقّ باستعادة أرضه؛ هذا من جهة. من جهة أخرى، إن حدود لبنان بالمنطقة الاقتصادية الخالصة التي حُدّدت تحت الرقم ٩ من البلوك البحري؛ تنكرها ​اسرائيل​ وبالتالي تنكر حقّ لبنان بها مدَّعية ملكيته لها.

واقعياً، سياسياً وقانوناً إنّ مساحة من حدودنا البحرية معتدى عليها من اسرائيل وللبنان كامل الحقّ باستخراج نفطه والانتفاع من مياهه البحرية. إذاً، إنّ استقلالنا الجغرافي الحديث غير مكتمل.

أمّا اللافت أيضاً، إضافة إلى التغافل عن هاتين القضيتين، ابتكار اتهام جديد بأن لبنان تحت الاحتلال السياسي.

بالأمس القريب، تعالت بعض الأصوات العربية، على مستوى رئاسي ووزاري، متهمة لبنان بأنه تحت "الهيمنة" الإيرانية.

قبلَه، راح يخطب بعض القادة اللبنانيين متهمين لبنان بأنه تحت رحمة "القرار" السوري. إلى أن جاء الكلام الأخطر المُموَّه حول "الإحتلال السياسي" من الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ في برقيّة تهنئة بذكرى الاستقلال وجهها الى فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ​ميشال عون​ يوم الاثنين حيث ورد في متنها ما يلي: "... تتطلع الولايات المتّحدة للعمل مع الحكومة اللبنانية الجديدة الملتزمة الحفاظ على سيادة لبنان واستقلاله السياسي".

في الاسبوع نفسه، كان قد صدر عن الرئيس الأميركي انه بصدد التفكير جديا بتغيير خمسة من مستشاريه.

يبدو أنّه يحتاج ذلك فعلاً لأنّ سياسته حيال شرقنا عموما وبلدنا خصوصاً تفشل فعلاً.

في ما وردَ بالبرقية المذكورة آنفا لجهة الشراكة بين البلدين، وإنجاز الحكومة في ​مكافحة الارهاب​ وازدهار لبنان ما يستحق التوقّف عنده ومناقشته ملياً، لكنّنا سنذكر باختصار ما يلي:

أوّلاً- إنّ الحكومة الجديدة لم تُشكل بعد ولم تصغ بعد بيانها الوزاري الملتزم بأي شيء لكن ترامب يصيغه. ما أورده الرئيس الأميركي يبدو أنه إيحاء بأن الادارة الأميركية تتطلّع لبيان وزاري يذكر "النأي بالنفس" السياسي، أو تريد حكومة تعمل بقراراتها على رفع "الاحتلال السياسي" عنها ولا شكّ المقصود منه ما يُسمّى "الهيمنة الإيرانية".

ثانياً- بالمقلب والمفهوم الآخر، إنّ الرئيس الأميركي يتحدث عن "الحفاظ على السيادة والاستقلال السياسي"؛ فهذا يبدو أيضاً اعترافا رسميا علنيا بأن الادارة الأميركية تنكر أي تعدّ دولي على السياسة اللبنانية وتعترف باستقلال لبنان السياسي التامّ وتدعو للحفاظ عليه. إذاً، إن تهمة "التمدد الايراني" السياسي باطلة وبعيدة عن بلادنا كلّ البعد باعتراف الولايات المتحدة الأميركية، فعلى حلفائها في شرقنا ووطننا العربي التوقف عن توجيه الاتهامات الى الحكومة والدولة اللبنانية بأنها غير مستقلّة سياسياً.

الحقيقة أنّ واقع حالنا اللبناني على المستوى الجغرافي والسياسي والاقتصادي والأمني في عمق "ازدهار" الجهل او التجاهل السياسي الدولي وفي صلب "التآمر" البارد. عسى أن يصحو بعض الداخل ويثور نحو استقلال فعلي كامل لاراضي وسياسة واقتصاد لبنان بالقول والفعل، لأنه يغفل أنه بعد فشل مخطّط الشرق الأوسط الجديد، وطننا الصغير بحجمه، غدا كبير بدوره.