لن يؤدي التصلّب الذي يحيط عملية تأليف ​الحكومة اللبنانية​، وخصوصا بشأن قضية تمثيل "سنّة ٨ آذار"، الاّ لبقاء المراوحة، التي تدفع بالبلد الى مزيد من حصد النتائج السلبية إقتصادياً ومعيشياً. يُقال أن نسبة الشركات التي تتدرّج في اعلان الإفلاس كبيرة، الى حد بلغ بالقضاء المختص الاستمهال في قبول اعلان إفلاسها، بينما تُسجل الدوائر القضائيّة يوميا ارقاماً مقلقة، في عدد من المعاملات والتبادلات التجاريّة ودفع المستحقّات في هذا الاطار اضافة الى انخفاض نسبة القدرة الشرائية، فتسرّح الشركات الصناعية أعداداً من العمّال، وتتراجع نسب الانتاج لعدم وجود تصريف، في مرحلة تشهد انكماشاً مؤلماً.

يدرك السياسيون حجم ألم المواطن، لكنهم لم يُقدموا على اعلان حالة الطوارئ السياسيّة التي تقتضي تأليف الحكومة سريعا، للمباشرة بالإجراءات في تسييل واردات "سيدر" المرتقبة. والبدء بالإصلاحات، وتحييد ذوي الدخل المحدود عن التداعيات السلبية للأزمة المالية العالمية.

لكن عقدة "سنة ٨ آذار" لا تزال قائمة، بعدما رسم الفريقان: رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​، والنواب الستّة، سقوفا سياسية عالية، تبدأ من رفض الحريري بتاتاً تمثيلهم، او الاعتراف بوجودهم ككتلة نيابية واحدة، وتصل الى اصرار النوّاب الستة التمثّل بواحد منهم في الحكومة العتيدة.

هنا تجمّد التأليف، في وقت يراهن فيه الفريقان على معطيات إقليميّة تدفعهما الى التصلب والاستمهال. فالنوّاب الستة ومعهم "​حزب الله​"، يعتبرون ان الضغوط الدولية على الرياض، جرّاء قضية مقتل الصحافي ​جمال خاشقجي​، ستخفّف من وهج ​السعودية​ لبنانياً، وتدفعها الى التنازل الى حدّ الفرض على الحريري التراجع من اجل تأليف حكومة، أو دفع رئيس الحكومة المكلّف بالتأليف الاعتذار عن المتابعة بالعملية، فتُقدم الاكثرية النيابية على تسمية بديل منه. وهو طرحٌ جدّي، جرى تداوله في اوساط "٨ آذار"، من دون بتّ الأمر. لكن اللافت ان سفير احدى الدول الخليجية التي يعتبرها الحريري سنداً له، سأل خلال اجتماع خاص مع احد السياسيين: ما هو البديل من الحريري؟.

نوعيّة السؤال، وطبيعة المرحلة، يعزّزان التوجه للبحث عن بديل من الحريري: هل يكون أحد رؤساء الحكومات السابقين على غرار رئيس الحكومة الاسبق ​نجيب ميقاتي​ الذي رتّب علاقاته مع الدول الخليجية، وأبقى خطوط التواصل قائمة مع الدول الغربية، وخصوصا الاميركية؟ أم يكون رئيس الحكومة السابق تمّام سلام، على الرغم من العقبات الّتي واجهها خلال أيام رئاسته للحكومة من شدّ للحبال بين الفرقاء السياسيين؟.

لا يزال الوقت يسمح بإيجاد حل سياسي لإنجاح مهمة الحريري. لكن مطّلعين يرون أن رئيس الحكومة المكلّف كان من الممكن حلّ المعضلة بتوزير النائب ​فيصل كرامي​، واحتضانه سياسياً، "لأن كرامي لم يستفزّ الحريري، وابقى علاقاته قائمة مع السعوديّة، وعبّر عن دعمه للرياض، ولم يذب في حلف "٨ آذار". كان عندها الحريري سيُفكك جبهة النواب الستة، بجذب احد اهم اركانها.

لا يزال الوقت يسمح لإبتكار حلول، بعد سقوط الرهان على ضرب نفوذ "حزب الله" اقليميا نتيجة العقوبات الأميركية. فهل يُقدم الحريري على صنع الحل بعد جمود طرح رئيس التيّار الوطني الحر وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل؟! لا خيار آخر امامه، والاّ سيتوسع الحديث والبحث عن بديل.