لم يكن الكثيرون على معرفة باسم ​محمد بن سلمان​ ولي العهد السعودي الحالي، ولكن ما ان استلم المنصب المذكور، حتى بدأ حملة واسعة في الخارج لتقديم نفسه على انه الملك العتيد للسعوديّة، واخذ يبرم الصفقات بمبالغ عالية ويطرح افكاراً اعتبرت تقدميّة جداً نسبة الى التشدّد الذي تعيشه المملكة ​السعودية​، ما دفع الغرب الى التركيز عليه وتقبّله، كما عملت وسائل الاعلام على الترويج لافكاره ومشاريعه "الثوريّة" واطلقت عليه تسمية مختصرة لاسمه هي MBS.

اليوم، بعد سلسلة تداعيات لمواقف وقرارات اتخذها ولي العهد السعودي، تراجعت صورة الامير محمد بن سلمان وطغى عليها الطابع الاسود بعد ان وصلت الامور الى حدها اثر مقتل الصحافي ​جمال خاشقجي​ في ​تركيا​، وتوجيه اصابع الاتهام الى الامير الشاب. على الفور، كانت الخطّة المضادرة جاهزة للانتقال من الدفاع الى الهجوم، عبر استعادة الحملة التي كان بدأها ولي العهد في الخارج، مع فارق اساسي وهو ان وسائل الاعلام لم تعد طرفاً مؤيداً له بل عاملاً مزعجاً، يعمل على التذكير بما قام به الامير محمد بن سلمان على مدى اشهر من افعال مشكوك بأمرها، ان في الداخل السعودي او في الخارج. ولكن، وعلى الرغم من كل ما تقدّم، يبدو ان الامير محمد غير قلق بتاتاً لما ينتظره، ولو ان الحديث بدأ يكثر حول امكانية حلول عمّه الامير أحمد مكانه كوليّ للعهد، اذ يملك على ما يبدو سلاحاً سرياً وسحرياً جعل لاعبين رئيسيين على غرار الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ والرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​، يقدّمون ملاذاً آمناً له، عبر الاعلان عن ابقاء العلاقات على حالها مع السعودية من جهة، والابتعاد عن ذكر أي ربط له بقضية مقتل خاشقجي، ليبقى منزّهاً عن اي شبهة او تهمة. اضافة الى ذلك، وضمن خطّة الحملة المضادة التي يتّبعها، قرّر ولي العهد الخروج من بلاده والاطلالة على الخارج كتحدٍّ واضح للغرب وللدلالة على انه قادر ان يقلب الامور لمصلحته دون خوف او تردّد.

اما الاهمّ من ذلك، فهي رسالة الى الداخل بوجوب اخذ الحيطة والحذر في طريقة التعاطي مع ولي العهد، لأنّه اثبت انه "الرجل القوي" الذي لا يمكن المساس به، والذي يحظى بحماية وغطاء دولي متين، وانه لا يزال يسير على الطريق المؤدّي الى تسلّمه مقاليد الحكم في وقت قريب. ولكن، وفق هذه الحسابات، سيكون على الامير محمّد ان يتحرك بسرعة، لان ولاية الرئيس الاميركي دونالد ترامب اصبحت في نصفها وبدأ العد العكسي للتحضير للانتخابات الرئاسيّة المقبلة، ولعل الاستفاقة الديمقراطية التي ظهرت بوضوح خلال الانتخابات النصفيّة الاخيرة، كفيلة بوضع اكثر من علامة استفهام حول قدرة ترامب على تجديد الولاية، وفي حال الفشل، يكون ولي العهد قد خسر الملجأ الآمن الذي يعتمد عليه، وتصبح حظوظه في الوصول الى العرش أقلّ بكثير مما ستكون عليه في ظل عهد ترامب، وقد لا يصل الى هدفه في ظل "الانشقاق" الذي يسود داخل الاروقة السعودية.

انه استحقاق جديد امام MBS، عليه ان يتجاوزه بنجاح اذا ما اراد اكمال مسيرته المؤدية الى تولي مقاليد احكم في المملكة، والا فإنه قد يكون امام احتمالات لن تروق له وسيفقد كل ما كان يطمح اليه، وقد يضع حداً لمستقبله السياسي بفعل الحملات التي تُشنّ عليه اعلامياً وسياسياً في الخارج، وعدم تقبّل الكثيرين له في الداخل ومن ضمن العائلة الحاكمة.

حتى الآن نجحت خطة ولي العهد السعودي في تقويض الاصوات التي تطالب بوضع حد لمستقبله السياسي، ويجب انتظار ما ستؤول اليه الامور في الاشهر القليلة المقبلة، لانه سيتوقف عليها تحديد المسار الذي سيعطي فكرة واضحة عن مستقبل MBS وما اذا كان سيتوّج ملكاً جديداً على المملكة السعودية.