على طريقة رئيس الحكومة السابق ​فؤاد السنيورة​، يعتمد رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​ ​سياسة​ "باقٍ باقٍ باقٍ" التي اعتمدها السنيورة في العام 2006 في مواجهة "​حزب الله​" ايضاً. غير ان المعطيات الحاليّة مغايرة تماماً لتلك التي كانت سائدة في العام 2006، والحريري ليس السنيورة.

في العام 2006، لعب الحزب دوراً محورياً لاسقاط الحكومة ودعا السنيورة بشكل واضح وصريح الى الاستقالة، اما اليوم فالحزب لم يدخل المعركة بشكل مباشر بل بطريقة غير مباشرة، انما رغم ذلك، لا يبدو ان هدفه ازاحة الحريري عن مهمة التشكيل. في الواقع، هناك اسباب عديدة تدفع الى استنتاج ان الحريري سيبقى على رأس الحكومة العتيدة، ولن يحيد عن هذا الهدف.

من ابرز هذه الاسباب ان الحريري نفسه لا يرغب في التنحي اولاً، وما قوله اكثر من مرة سابقاً "يجيبوا غيري"، الا انه ليس بوارد الاعتذار عن التأليف، وقد سنحت له فرصة ذهبيّة لذلك عندما عقد مؤتمره الصحافي الشهير الشهر الحالي، لكنه امتنع عن النطق بهذه العبارة. اضافة الى ذلك، تبدو اصوات السنّة اكثر تقبّلاً له بفعل الازمة الحكوميّة، واكثر تفهّماً من قبل، وبالتالي لن يكون من السهل ابداً على أيّ شخصية سنّية ان تستلم المهمة خلفاً له، وبالاخص اذا كان الامر بمثابة تحدٍ او فرض موقف على الطائفة، ولن تنفع التبريرات ان المسألة هي من اجل الطائفة نفسها وان العقدة تتعلق بتمثيل نواب سنّة.

عقدة اخرى تبرز في موضوع التنحّي، وهي ان من سيخلف الحريري لن يتمكن من تعبئة الفراغ الذي سيتركه لجهة التنسيق والتناغم مع رئيس الجمهوريّة، الذي لا يفوّت فرصة او مناسبة الا ويشيد بمزايا وصفات رئيس الحكومة المكلّف ومدى التناغم القائم بينهما، وسيكون من الصعوبة بمكان اقناع ​الرئيس ميشال عون​ بشخصية اخرى لترؤس ما اسماه "حكومة العهد الاولى" التي انتظر الجميع ان تبصر النور بعد اجراء ​الانتخابات النيابية​.

ويدرك حزب الله تماماً ان الحريري لا يزال "ينقز" من ​السعودية​ ومن ولي عهدها الذي لا تربطه به علاقة مودّة، ولم ينسَ ما تعرّض له على يد الامير محمّد بن سلمان، وقد كان صريحاً جداً في معرض ردّه خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده على سؤال حول ما تعرّض له في السعودية، فلم ينفِ ما تمّ ذكره واكتفى بفصل ذلك عن الوضع الحالي. وفي حال اعتذار الحريري عن التشكيل لسبب او لآخر، فإن البديل لن يكون سنياً من المتعاطفين مع ​8 آذار​، بل سيكون اكثر انتماء للسعوديّة وهو امر لن ينفع احداً وسيعقّد الامور.

ومن المنطقي ايضاً ألاّ يخرج حزب الله في العلن لمطالبة الحريري بالتنحي، فلا الظروف الداخلية مؤاتية لمثل هذه المواجهة وما يمكن ان تحمله من تفسيرات وتداعيات طائفية، ولا الحريري يستهدف الحزب سياسياً على غرار ما كان يحصل في العام 2006 للقول ان الحزب يدافع عن نفسه وعن بقائه. لذلك، من مصلحة الحزب ان يبقى خلف الخط السنّي والاّ ينقل المواجهة الى الى ملعبه مباشرة، علماً ان توجيه الانظار اليه في هذا الظرف هو ابعد ما يرغب فيه وسط الهجمة الاميركية عليه وعلى ​ايران​.

لكل هذه الاسباب وغيرها، يمكن القول ان الحريري سيبقى في المهمة الموكولة اليه ولن يتركها حتى ​تشكيل الحكومة​، مهما طال الوقت ومهما تأخرت الامور لأنّه في النهاية ستبصر الحكومة النور بطريقة ما، ووفق الحل اللبناني الشهير على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب"، وان اطالة عمر الازمة هو بمثابة تمديد وقت ليس الاّ، حيث يتنافس بعدها الجميع على اعلان ابوّته للحل.