تدخل عملية ​تشكيل الحكومة​ أسبوعا جديدا من المراوحة في ظل غياب أي مبادرة لحل "العقدة السنية" التي تفاقمت وباتت تهدد بفراغ حكومي طويل المدى. وقد عبّر رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ مؤخرا بوضوح عن حالة التعقيد التي ترزح تحتها البلاد بقوله أن الأزمة الحكومية لم تعد صغيرة وكبرت.

وبحسب المعلومات، لا مبادرات جديدة في الأفق في ظل غياب الأفكار التي يمكن أن تشكل أساسا لأيّ حل، وتعنّت القوى المعنيّة بالعقدة السنيّة بمواقفها، وهو ما فسرته مصادر مطلعة على مسار عمليّة التأليف بأنه يندرج باطار "لعبة عض الأصابع" باعتبار أن كل طرف ينتظر الطرف الثاني ليصرخ ويستسلم أولا، لافتة الى أنّ "المقلق في ما يحصل أن نفس كل الفرقاء طويل، فرئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ على قناعة أن أيًّا من الفرقاء وعلى رأسهم ​حزب الله​ لم يجدوا بديلا عنه، وبالتالي يعتبر أنه في موقع يسمح له الاستمرار في اللعبة وبالتحديد في رفض شرط توزير أحد حلفاء الحزب السنة حتى النهاية". وتضيف المصادر: "بالمقابل، يقف حزب الله في موقع قوّة ويعتبر أنه قادر على استثمار فوز المحور الذي ينتمي اليه في المنطقة في لبنان عبر التشكيلة الحكوميّة المقبلة وبالتحديد من خلال إسقاط احتكار "المستقبل" للتمثيل السنّي ودخول هذا البيت من بابه العريض، وبالتالي لن يكون أبدا من السهل اقناعه بالتراجع عن موقفه خاصة وأن أمينه العام ​السيد حسن نصرالله​ تبنى الموضوع وترك الحسم فيه للنواب السنة الـ6".

أما هؤلاء النواب، فهم أيضا ليسوا بوارد التراجع عن مطلبهم خاصة وأنهم مدعومون من حزب الله، وقد تمكنوا في الآونة الأخيرة من فرض وجودهم وحالتهم بعدما كانوا عبارة عن نواب

متفرقين وموزعين على كتل متنوّعة وبالتالي من دون تأثير يُذكر، وباتوا اليوم أصحاب الكلمة في تشكيل الحكومة ليس بقوّتهم وانما بقوّة حزب الله.

وبمقابل كل هؤلاء، يقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ممتعضا مما آلت اليه الأحوال حكوميا. فلا مبادرة وزير الخارجية ​جبران باسيل​ حملت حرقا، ولا الحراك الرئاسي المستمر منذ نحو 3 أسابيع لاستيعاب الأزمة المستجدّة. وبحسب المصادر، فان الرئيس عون لن يكون أول من يصرخ ويرضى بأن يدفع من جيبه ثمن تعنّت الحريري من جهة وحزب الله والنواب السنة الـ6 من جهة أخرى، مشيرة الى انه في الأزمة الرئاسيّة أظهر عون أنه صاحب النفس الأطول، فلا يعولنّ أحد أن يأخذ منه شيئا لا يريد هو أن يعطيه.

ورغم سوداويّة المشهد، تخلص المصادر الى أن الأزمة قابلة للحل لكن ليس خلال أيام أو أسابيع، مرجحة أن يعيّد اللبنانيون من دون حكومة، قائلة: "صحيح أن الكلّ متعنّت اليوم ويرفض التنازل، لكن حاجة كل فريق الى الآخر يجعلنا نثق أنه سيتم التوصل لمخرج على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، على أن يتم ذلك كما العادة قبل مسافة قصيرة من بلوغ الهاوية". وتضيف: "حزب الله وعون متمسكان حتى النهاية بالحريري لغياب البديل ولكونه يؤمن الغطاء الدولي، الذي يقي لبنان الكثير من المخاطر وبخاصة الماليّة و​الاقتصاد​يّة، كما أن الأخير متمسك بالسلطة لأنّ خروجه منها بعد الخسائر التي تكبّدها نيابيا يهدده بمزيد من التراجع والخسائر وبالتالي بسقوط زعامته".

ويبقى المواطن اللبناني أسير لعبة عضّ الأصابع هذه، والاقتصاد الوطني الضحية الأولى لتمادي وتفاقم الأزمة، خاصة مع ورود معطيات خطيرة عن ارتفاع أعداد المؤسسات التي تغلق أبوابها.