تصاعدت في الأيّام القليلة الماضية الضُغوط السياسيّة والإعلاميّة على رئيس الحُكومة المُكلّف ​سعد الحريري​، لحمله على إستقبال نوّاب "اللقاء التشاوري"، تمهيدًا للقُبول بتوزير أحدهم من حصّته الوزاريّة. وبدأت التسريبات التي تتحدّث عن ضرورة أن يحسم الحريري خياراته، فإمّا أن يقبل بما هُو مطلوب منه وإمّا أن يعتذر إفساحًا في المجال أمام تكليف شخصيّة أخرى لرئاسة الحُكومة المُقبلة. فهل يُمكن أن يعتذر الحريري، أو أن يتم دفعه إلى الإعتذار، وهل من إرتدادات لأي من هاتين الخُطوتين؟.

في المعلومات المُتوفّرة حتى اليوم، لا نيّة بعد لرئيس الحكومة المُكلّف بالإعتذار، لأنّه أخذ قرارًا حاسمًا ألا يُقدم على هذه الخُطوة للمُناورة، أي أنه في حال قدّم الحريري إعتذاره عن تشكيل الحُكومة، لن يقبل بإعادة تكليفه بأيّ شكل من الأشكال، خاصة وأنّه يُدرك أنّ إعادة تكليفه–في حال تمّ، سيكون وفق شُروط قاسية ومُسبقة عليه. لكن في المعلومات أيضًا، أنّ رئيس الحُكومة المُكلّف بدأ يدرس إيجابيّات وسلبيّات بقاء الوضع على ما هو عليه حاليًا، وكذلك تنحّيه عن مُهمّة تشكيل الحُكومة المقبلة بشكل أكثر جدّية من أيّ وقت مضى، ويُوازن بين الخيارين.

بالنسبة إلى إمكان دفع الحريري إلى الإعتذار، فهذا خيار قائم، ومن المُلاحظ أنّ الضُغوط تصاعدت من جانب خُصوم رئيس الحُكومة المُكلّف، لدفعه إلى الإختيار في أسرع وقت بين المُوافقة على مطلب توزير أحد نوّاب "اللقاء التشاوري" أو التنحّي عن رئاسة الحُكومة المُقبلة. واللافت أنّ عددًا من الحُلفاء المُفترضين للحريري، أكان الجُدد أو القُدامى، دخلوا على خط هذه الضغُوط–ولوّ بشكل مُباشر، بحيث أطلق رئيس "التيّار الوطني الحُرّ" وزير الخارجية في حُكومة تصريف الأعمال ​جبران باسيل​ مواقف أكثر قُربًا من نوّاب "اللقاء التشاوري" ومطلب توزيرهم، بينما أطلق رئيس "​الحزب التقدمي الإشتراكي​" مواقف نوعيّة رأى فيها أنّ "التسوية ضروريّة أيّا كانت مرارتها تفاديًا للإنهيار"، بحسب تعبيره، وكأنّه يغمز من قناة ضرورة أن يُقدّم الحريري التنازلات المُرّة تفاديًا للإنهيار. وليس واضحًا بالتالي، ما إذا كان الحريري سيُفضّل في نهاية المطاف تقديم "التنازل" المُنتظر من جانبه، أم التنحّي عن رئاسة الحُكومة المُقبلة، باعتبار أنّ قُدرته على تحمّل الضُغوط المُتصاعدة تتراجع في ظلّ تصاعد التدهور الإقتصادي، علمًا أنّ وقع الفشل سيشمل الجميع من أعلى رأس الهرم نُزولاً.

لكن إبعاد الحريري عن رئاسة الحُكومة لن يكون نُزهة بالتأكيد، حيث أنّ إرتدادات هذه الخُطوة ستكون كبيرة، ليس على الوضع الداخلي من النواحي السياسيّة والإقتصاديّة وغيرها، ولكن أيضًا على التوازن الداخلي السياسي العام في لبنان، وعلى علاقات لُبنان مع الخارج. أكثر من ذلك، سيكون لاعتذار الحريري–إن حصل، إرتدادات كبيرة على التسوية الرئاسيّة، وعلى مُختلف الأطراف المعنيّين بها. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:

أوّلاً: إنّ مُوافقة ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ على الإستغناء عن رئيس الحُكومة الحالي المُكلّف، سيُنهي عمليًا مفاعيل "التسوية الرئاسيّة"، وهو قد يدفع العلاقات بين "التيّار الوطني الحُرّ" و"التيّار المُستقبل" خُطوات عدّة إلى الوراء، لا يُمكن تقدير حجمها من اليوم.

ثانيًا: إنّ مُشاركة "تيّار المُستقبل" في أي حُكومة مُقبلة من دون أن يكون الحريري رئيسها، مُرتبط كليًا بالشخصيّة التي سيتمّ تكليفها لهذه المُهمّة. فإذا كانت محسوبة على "التيّار الأزرق"، فإنّ الأمور مفتوحة على أكثر من خيار، علمًا أنّ هذا الإحتمال لا يزال ضعيفًا جدًا حتى اليوم، حيث أنّ المُفاضلة هي بين وُجود الحريري شخصيًا أو إختيار شخصيّة من خارج فلك "التيّار الأزرق" السياسي–إذا جاز التعبير. أمّا إذا كانت هذه الشخصيّة مَحسوبة على قوى "8 آذار"، إنطلاقًا من أنّ هذه الأخيرة قادرة بالتحالف مع "التيّار الوطني الحُرّ" على تأمين أغلبيّة نيابيّة عدديّة، لصالح أي حُكومة تدور في فلكها، فإنّ "التيّار الأزرق" لن يُشارك فيها، وحزب "​القوات​ اللبنانيّة" سيكون في هذا الإتجاه أيضًا، بعكس "الحزب التقدمي الإشتراكي" الذي هو أقلّ تشدّدًا في هذا الموضوع، من مُنطلق رفضه إخلاء الساحة لخُصومه على الساحة الدُرزيّة.

ثالثًا: إنّ إخراج الحريري من رئاسة الحُكومة تحت الضغط، والإتيان بأي خصم له على الساحة السُنيّة، سيقود "التيّار الأزرق" إلى موقع المُعارضة، ومعه حزب "القوات اللبنانيّة"، أي أكثر من 35 نائبًا من البرلمان، وهذا رقم مرتفع، يُمكن أن يزداد في حال التقاطع مع مصالح فئات نيابيّة أخرى، الأمر الذي من شأنه أن يُكرر "السيناريو" الذي حصل مع الحُكومة ما قبل الأخيرة التي كانت برئاسة النائب الحالي ​نجيب ميقاتي​، لجهة تعرّض السُلطة التنفيذيّة لكل أنواع العرقلة الداخليّة.

رابعًا: قد تستغلّ أكثر من دولة عربيّة وغربيّة، إخراج الحريري من السُلطة التنفيذيّة، لتصنيف الحُكومة ككل في خانة "​حزب الله​"، مع ما يعنيه هذا الأمر من تعاطٍ مُتشدّد مع لبنان، ومن تداعيات سلبيّة على المُستويات السياسيّة والإقتصاديّة والماليّة، وغيرها.

في الختام، صحيح أنّ المناصب الرسميّة ليست حكرًا على شخصيّة دون سواها، وبالتالي إنّ منصب رئيس الحُكومة لا يجب أن يكون حكرًا على "تيّار المُستقبل" ومن يُسمّيه حصرًا، لكنّ الأصحّ أنّ الإستغناء عن رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري، بما يُمثّل سياسيًا على الساحة الداخليّة مع كل الإمتدادات الإقليميّة والدَوليّة، يعني الإنتقال بالتوازن داخل لبنان من مكان إلى آخر. وهذا الأمر لن يكون من دون ثمن، ومن المعروف أنّ خيار المُواجهة والتحدّي ينتهي عادة برابح وبخاسر، بعكس خيار التسوية الذي يكون فيه الجميع رابحين بشكل أو بآخر. فهل سيتخلّى صانعو التسوية عنها، ومن سيدفع الثمن عندها؟.