أكد مدير عام ​الامن العام​ ​اللواء عباس ابراهيم​ خلال افتتاح مؤتمر "إندحار ​الارهاب​ في المنطقة وتأثيره على القارة الأفريقية " أنه "قبل البدء بالحديث عن المؤتمر واهدافه، لا بد من القاء ​الضوء​ على منطقة عزيزة على كل لبناني في الوطن والمهجر الا وهي القارة الافريقية. كانت طلائع ​الهجرة​ الاولى الى دولة ​السنغال​ في العام 1870، ثم توزع ​اللبنانيون​ على معظم دول القارة، وتميزوا بالمستوى العالي من الاندماج الانساني في المجتمعات الافريقية نتيجة للعوامل الاقتصادية والثقافية والتعليمية، واقاموا اعمالا تجارية ومشروعات صناعية وتعهدات ​البناء​ وشركات الانتاج والخدمات الفنية والاستشارية و​الاتصالات​ والنقل والمواصلات. حتى وصلت قيمة استثمارات الجالية اللبنانية هناك الى ما يقارب 45 مليار ​دولار​ أميركي. من هنا اوجه الشكر الكبير الى كل المسؤولين في هذه الدول على استضافتهم الكريمة للبنانيين"، مثنيا على "حسن العلاقة والاحترام المتبادل بين ​الشعب اللبناني​ المهاجر وسكان تلك الدول التي لنا شرف استضافة مسؤوليها الامنيين في هذا المؤتمر، فأهلا وسهلا بكم، واتمنى لكم وللمشاركين كل التوفيق للتوصل الى خلاصات عملية تساهم في ارساء ​سياسة​ السلام في العالم عموما، ومنطقتي الشرق الاوسط ودول افريقيا خصوصا، من اجل خير الانسان كل الانسان".

ولفت ابراهيم الى أن "مقاربة ملف اندحار الارهاب في المنطقة وتأثيره على القارة الافريقية في المؤتمر الذي يجمعنا اليوم، تمثل التزاماً نبيلاً منا جميعاً بغض النظر عن الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي أو ما شابه. الإرهاب عدو مشترك بين الآدميين باعتبارهم بشرا متساوين في الحق في حياة كريمة مستقرة آمنة. عليه، فإن المجتمع الدولي برمته مدعو إلى التوقف عن توجيه التعليمات عن بعد، والتحول نحو الإنخراط الجدي، وبالتساوي، في المعركة المفتوحة التي ان لم نربحها، سيخسر العالم كله وليس أمة بعينها او دولة بمفردها. هذا العالم مدعو إلى التفهم أن الإرهاب، المنتقل الى دول قارة أفريقيا، ليس خطرا مقطوع الصلة عن العالم، إنما هو تهديد مميت للسلام والتنمية في العالم اجمع"، مشيراً الى أنه "صحيح ان الواقع الافريقي يحمل الكثير من الأزمات والمشكلات التي توفر بيئة خصبة لنمو الأفكار المتطرفة، وانتقالها بين مناطق مختلفة من القارة، بل يسمح بالتعاون وتبادل الدعم بين الجماعات الإرهابية. كما ان الموقع الجغرافي لهذه الدول قد ساعد على تحويل أراضيها فناءً خلفياً للعديد من الجماعات الإرهابية التي استقرت في الشمال الأفريقي. ومع تطورها بحثت عن حلفاء وأتباع في الشرق والساحل والغرب الأفريقي، فنقلت أفكارها وأدوات عملها إلى القارة كلها، حتى استوطنت فيها جماعات ارهابية تحمل اسماء مثل: جماعة "بوكو حرام"، "أنصار الدين"، "الجهاد والتوحيد"، حركة "شباب المجاهدين"، "أنصار المسلمين"، "أنصار الإسلام"، "جيش الرب". ناهيك بـ"داعش" والقاعدة" وملحقاتهما، وأسماء يتجاوز تعدادها العشرات".

وأشار الى أنه "ثمة نقاط عدة توجب التوقف عندها ملياً لتحديد اسباب انتشار الإرهاب في افريقيا كما في كل العالم وأهمها: بدء اندثار الجماعات الإرهابية من منطقة الشرق الاوسط بعد صراع مرير امتد الى سنوات ولا يزال، التغير النوعي في طبيعة أنشطة الجماعات الارهابية التي أصبحت عابرة لحدود الدول والقارات، نجاح الحركات الارهابية في توظيف الصناعة الالكترونية في خدمة أغراضها الإرهابية على مستويات التجنيد والإعلام والخرق والتدريب"، لافتاً الى أنه "لا بد من التنبه الى استحالة عزل تمدد تلك الجماعات الإرهابية عن عوامل التهميش السياسي والاقتصادي والصراعات القبلية والإثنية في كثير من الدول الإفريقية، التي

صار فيها ما يمكنني ان أُسميه "الإرهاب الهجين" الذي يتشكل من هيمنة قبلية مع جريمة منظمة، وبما يعكس تشابك العنف الديني مع التطرف القبلي. هذا الارهاب الهجين يُصلّب قواه من استغلال الدين والهوية لتحقيق اهداف الارهابيين، وهو ما يجب العمل على دحض رواياتهم"، معتبراً أن "أول ما يفترض القيام به تلازم الإرادة السياسية مع الإدارة الأمنية".

وأوضح اللواء إبراهيم أنه "هنا، أود أن ألفت عنايتكم إلى انه، ومن خلال عملي لسنوات طويلة في مكافحة الارهاب، وعلى الرغم من الفخر بما حققناه، بالرغم من القدرات والامكانات التي بُذلت، ظلّ هناك سؤال مُلِح يواجهنا ويقض مضاجعنا، هو: لماذا يزداد الارهاب انتشارا وتعقيدا؟

الوحش الارهابي كانت أولى محطاته في ربوع وطني وتحديداً في شمال البلاد، إذ سقط لنا رفاق نعتز بهم وعائلاتهم. وكان ان تصدينا بحزم وعزم لا يعرفان المهادنة. لكن الاتجاهات الاساسية للارهاب بقيت مثيرة للقلق، إذ لطالما نجح لاحقا في احتلال بعض من أراضينا على حدودنا الشرقية على اثر بدء الاحداث في سوريا، ناهيك بنجاحه في توجيه ضربات موجعة في الداخل، ما حصد عشرات الارواح كما ازدادت هجماته كمّاً ونوعاً، إلى أن كانت عملية فجر الجرود التي حرّرت الأرض وأعادت السيادة. أنا هنا لا اقول ابداً ان تضحياتنا ذهبت سدىً، بل على العكس، نجحنا في الأمن العام وعبر "الأمن الاستباقي"، في احباط عشرات الهجمات الدامية التي كان لبعضها ـ لو نجح ـ أن يتسبب في نوعٍ من الحروب الأهلية. لاحقا اعتمدنا "الأمن الوقائي" من خلال تتبع شبكات التطرف عملانيا وعبر شبكات التواصل الالكتروني، كل ذلك تحت سقف القانون وضمان الحريات العامة والخاصة".

وأكد "اننا طورنا مهاراتٍ وخبراتٍ هائلةً بإمكانات متواضعة جداً، وهي لا تزال تحقق أهدافنا في استراتيجية مكافحة الارهاب. لكن لا أخفيكم انه وعلى الرغم من كل النجاحات، فإن معلوماتنا تؤشر الى ان هذا الارهاب، وان ضعف واندثر، لم يتلاش وما زال يتمتع بمرونة قد يستغلها بخرق من هنا أو من هناك. هذا الارهاب ما زال قادراً على التسلح، وحيازة التقنيات، واستخدام منصات التواصل الالكتروني لتجنيد مقاتلين وانتحاريين وزرع الافكار المتطرفة والعنيفة. وهو أيضاً قادر على شن هجمات بـ"أسلحة سهلة متوفرة" ـ إذا صح التعبير ـ كمثل عمليات الدهس، أو الهجمات الفردية ضد التجمعات التجارية والسياحية لحصد اكبر عدد ممكن من الارواح، وهو ما عرف لاحقا بعمليات الذئاب المنفردة"، مشيراً الى ان "ما أقوله في هذا الصدد هو للتنبيه والحديث عن ضرورة التعاون الدولي في مجال تبادل التقنيات والمعلومات الاستخبارية، ناهيك بموجب مبادرة الدول ذات الامكانات التسليحية والمهارات التدريبية دعم الدول المتواضعة الامكانات، كما هي حالنا وحالكم".

ورأى أن "ما وصل اليه العالم كله في مواجهة الارهاب لم يعد يُجدي معه الحد من الارهاب، بل يجب الانتقال الى مرحلة مهاجمة الارهاب وتعطيله أنى وحيثما تواجد. من خلال خبرتي الشخصية والمتنوعة المستويات في مكافحة اصناف الارهاب، أؤكد لكم ان مهاجمة الارهاب في اوكاره وملاحقته ضرورتان لا نقاش فيهما، لكن وحدهما لا تفيان بالغرض، لأن المطلوب هو العمل على: منع انتقال الارهابيين، قطع اوصالهم وخطوط تواصلهم وامداداتهم، وجوب حرمانهم من مواردهم التي تعزز ايديولوجياتهم، وبعض هذه الموارد تقف وراءها جهات وليس أفرادا، ملاحقتهم بلا هوادة عبر الشبكات الالكترونية، سواء اعتمدوها كمنصة جذب، أو كمقر لقيادة عملياتهم، ومراجعة الهيكل القاعدي للانترنت، اعتماد إجراءات موحدة لتبادل المعلومات الاستخباراتية، والبيانات والتجارب والمعارف لتحقيق الأمن والاستقرار، وقف بعض الدول استثمار الارهاب في بعض محطات عملها السياسي، ومحاربته في محطات اخرى.".

وأشار اللواء ابراهيم الى أنه "ربما ربح العالم إلى الآن كل حروبه الأخلاقية على الإرهاب والديكتاتوريات التي هددت القيمة الوجودية والأخلاقية للانسان. إلا أنه ينبغي الإعلان صراحة أننا ما زلنا قاصرين حتى عن تحقيق نصر كامل على الارهاب في كل العالم، وليس في افريقيا وحدها. الدليل اتساع "امبراطورية التوغل الديني المتطرف". وقد صار العالم كله واحداً من ثلاث: اما دول تشكل مسرحاً لحروب التنظيمات الارهابية، او دول معرضة لخروقات، أو دول مولدة لعناصر السرطان الارهابي المُتأسلم"، معتبراً أنه "حان الوقت لكي ينتقل العالم إلى موقع المبادرة في مواجهة الارهاب، أي إعلان الحرب. نحن في حربنا على الإرهاب الذي يتلطى بالدين، لاحظنا ان سياسات عدة حالت دون توحيد الجهود العسكرية والأمنية والاستخباراتية على المستوى الدولي، ما أخّر الانتصار وزاد من هول الجرائم المُرتكبة، وهذا اذا كان له ما يبرره بسبب التحالفات والمحاور الدولية. فليس له ما يعلله على الاطلاق في مواجهة موجات الموت التي تحصد الأرواح البريئة".

وأكد أنه "صحيح أن هناك أشكالا عدة من التعاون، بعضها ثنائي، وغيره ثلاثي أو اقليمي. لكن ما نواجههه يفوق طاقة أي تحالف بهذا الشكل، لأن امبراطورية التطرف تضرب في أصقاع العالم كله، وتسير به الى صراع حضارات قد لا يُبقي ولا يُذر".