في بلدة ​البازورية​ في ​قضاء صور​، دكان صغير كباقي الدكاكين، إلا أن ما يفّرقه عنها هو بيعه ​المشروبات الكحولية​. هذا الدكان، الذي يعود لصاحبه أحمد شهاب، ليس حديثاً، إلا أن الجديد هو ظهور بعض الأصوات المطالبة بـ"سفك دماء" صاحب الدكان وقتله. أول من بدأ هذه الحملة لإقفال الدكان بـ"كل الوسائل الممكنة" هو شخص من البلدة يُدعى الشيخ زكريا جبارة.

فيمقطع صوتينشره على مواقع التواصل الإجتماعي، وضع جبارة اللوم على أهالي البازورية لسكوتهم عن وجود هذا الدكان، مقررا تنفيذ ما وصفه بـ"حكم الله" وقتل من اعتبرهم بـ"الملحدين والكفّار"، داعياً إلى قتل بائع الخمر في بلدته. وعزا جبارة غضبه بِكَون بلدته "تضمّ آلاف المؤمنين، والذين يتوجهون إلى القبلة في صلاتهم ويتلون شهادة "لا إله إلّا الله وأن عَلِيًّا بالحق وليّ الله"، خاتماً تسجيله الصوتي قائلاً "سوف أعلّم أهل البازورية كيف يكون الرجال، فدم أحمد شهاب سيُسفك وسيُحرق محله إذا لم يقفل دكانه".

تقدّم صاحب الدكان شهاب بدعوى قضائيّة بسبب التهديد المباشر بالقتل، إلا أن جبارة تمكّن من التنصّل من الموضوع، بدعم سياسي معيّن، وبنشر فيديو جديد له تراجع فيه عن التهديد بالقتل. وعن تشبيهه بـ"داعش"، ردّ جبارة بالقول "داعش هي التي تريد فرض حريّتها على الآخرين"، أما هو فيحاول فقط ما اعتبره "فرض شرع الله ودينه وليس حريته الشخصية".

التنوّع السياسي والديني الموجود في البازورية، جعل من هذا الموضوع نقطة خلاف كبير بين المواطنين. فما رأي البلديّة بما حصل؟ وهل يسمح الدين الإسلامي بـ"سفك دماء" من يبيع الخمر؟.

الإجراءات القانونية

في هذا السياق، أكد رئيس بلديّة البازورية بهيج الحسيني، في حديث مع "​النشرة​"، "أننا كبلدية نمثّل القانون في البلدة كما أننا نمثّل الجهات الرسمية، لذا نحن ننتظر أي قرار قضائي لنبني على الشيء مقتضاه"، لافتاً إلى أن "صاحب المحل أحمد شهاب تقدّم بدعوى قضائية ونحن بانتظار قرار القضاء".

وعمّا يُشاع بأن اهالي البلدة بصدد تقديم عريضة للبلدية لإقفال الدكان، نفى الحسيني علمه بالموضوع، إلا أنه أكد أنه "في حال تقدّم الأهالي بهذه العريضة فسنسلك الطريق القانوني، أي اننا سنقدّم هذه العريضة للقائمقام وهو بدوره يقدّمها للمحافظ الذي يأخذ القرار بإقفال الدكان من عدمه"، مشيراً إلى أن "هذا من حق أهل البلدة وهذا التصرف يصونه القانون". ومن وجهة نظره الشخصية، أكد رئيس البلدية "أنني لا أشرب المشروبات الروحيّة إلا أنني أتبع القانون وما يمليه القانون سنقوم به".

النظرة الدينية

دينياً، اعتبر عضو الهيئة الشرعيّة في ​المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى​ ​الشيخ قاسم قبيسي​، في حديث مع "النشرة"، أن "الخمر ليس من الأمور التي تستوجب القتل وسفك الدماء في الإسلام، بل تستوجب منعه أي منع انتشاره في المجتمعات الإسلاميّة"، لافتاً إلى أن "هذا الموضوع هو ضمن فريضة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" لذا وجب على المسلمين عدم بيع الخمر في محلاّتهم أو شرائه".

وإذ شدّد إمام مجمع الامام الحسين في الشياح على أن "الخمر هو من المحرّمات في كل المذاهب الإسلامية"، لفت إلى أن "الإسلام يأمر بتحريمه ومنعه في المجتمعات الإسلاميّة، لكن دون سفك الدماء لأن هذه المسألة تستوجب في الإسلام الحصول على فتوى من الحاكم الشرعي، أي المراجع الدينية العليا التي تتمتع بشروط معروفة اسلاميا".

هي ليست المرة الأولى التي تحصل هكذا حادثة في ​لبنان​. وإن كان هذا الموضوع مرفوض من قبل شريحة مجتمعيّة معيّنة في بعض البلدات، إلا أنه لا يعني بأيّ حال من الاحوال أن يكون مقبولا من رجال الدين "تكفير الآخرين وتحليل قتلهم"، خصوصا واننا في دولة يرعاها القانون، ولا شيء سوى القانون.