حفلت الأيام الماضية بتسريبات إعلاميّة حول بحث قوى "​8 آذار​" عن مرشح لرئاسة الحكومة بدلاً من ​سعد الحريري​. لم يعكس مضمون التسريبات الصحيحة رأي كل الأفرقاء في قوى "8 آذار"، وخصوصاً "​حزب الله​"، بل كانت تصدر عن شخصيّات نافذة في تلك القوى، يبدو أنّ لها أجندة معيّنة في مقاربة ملفّ رئاسة الحكومة.

جاءت تصريحات رئيس حزب "التوحيد العربي" الوزير السابق وئام وهّاب، تطال من شخص الحريري، فاعتقد تيار "المستقبل" أن هناك حملة مبرمجة من قوى "8 آذار" لفرض تنحّي الحريري، فربطت قيادات في التيار الأزرق، ما بين التسريبات الصحافيّة، وتهجّم وهّاب، وتَشَدّد النواب السنّة الستّة، فكان القرار المستقبلي بالردّ في الشارع، من خلال احتجاجات ليليّة تجلّت ب​قطع الطرق​ في عدد من المناطق، من خلال إشعال الإطارات. لكن ردّ "المستقبل" كان هزيلاً، فلم تكن المشاركة الشعبيّة حاشدة، رغم أن التيار الأزرق يريد إيصال رسالة، أنّ بوسعه التحرك رفضاً للضغوط التي تمارس عليه.

لكن المعطيات السياسيّة توضح المشهد: فلا "8 آذار" تمارس ضغوطات على الحريري، ولا الحملة التي شنّها وهّاب منظّمة أو تأتي بطلب من "حزب الله". فرئيس "التوحيد" تدرّج في حملته على الحريري، لأسباب خاصة، معطوفة على موقفه السلبي من رجل الأعمال الأردني علاء الخواجة، الذي تربطه بالحريري علاقات قويّة، ذات بعد تجاري ومالي، وهو أمر يظهر في صلب هجوم وهّاب على رئيس الحكومة المكلّف. كما ان اوساطاً في قوى "8 آذار" إستفسرت اصحاب القرار، عمّا إذا كان هجوم وهّاب يأتي ضمن حملة، فجاء الرد: "لم نعلم بها الاّ خلال حديثه الاعلامي، ولا نشاركه فيها، لأنها لا تفيدنا، ولا تقدّم شيئاً". ولم يكتفِ هؤلاء بهذا التوصيف، بل قالوا إنّ حملة وهّاب شخصيّة ضيّقة الأفق، وفي غير زمانها، "خصوصاً أنه يتصرف من تلقاء نفسه، بدليل تغريدته التي دافع فيها عن السعوديّة منذ أيام". فهل اراد رئيس "التوحيد" طيّ صفحة تلك التغريدة التي غازل فيها ​الرياض​، بهجومٍ قاس بحق الحريري، يُنسي مضمون تغريدته حول المملكة؟.

تستحضر اوساط "8 آذار" هنا، المثل الذي يقول: الجمل بنيّة، والجمّال بنيّة، والحمل بنيّة". ما يؤكد أن الحريري لم يتعرّض الى حملة منظّمة من تلك القوى، التي تدافع في جلساتها عن ترؤسه للحكومة، وتستعيد تجربتها مع الرئيس الأسبق للحكومة ​نجيب ميقاتي​ الذي لم يتنازل، ولم يعطِ قوى "8 آذار" ما ارادت خلال ترؤسه للحكومة، بل أرضى انصار "المستقبل" والشارع البيروتي والطرابلسي بأدائه على رأس الحكومة. كذلك فعل الرئيس السابق للحكومة تمّام سلام بنسبة أقل تشدّداً من ميقاتي، بينما جاء الحريري ليقدّم لقوى "8 آذار" ما طلبته منه، من خلال تسويات سياسيّة، وتبادل الخدمات، وتسهيل التعيينات. لذلك فإنّ التجربة تثبت أنّ مصلحة تلك القوى هي في أن يترأس سعد الحريري الحكومة، لا غيره. ويقول المطّلعون "إن الضغوط الآن، ومطالبة النواب السنّة الستّة بمقعد حكومي، يكون من حصّة رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، وليس من حصة رئيس الحكومة"، وهو أمر بات يتردّد علناً في تصريحات النواب المذكورين.

امّا في حال أراد الحريري الانكفاء، والتنحّي، نتيجة الشروط المتبادلة، فإن قوى "8 آذار" ستعيد تسمية الحريري، لأنّه الأقدر على مسايرتها، بينما سيتصلّب ميقاتي إزاء مطالب "8 آذار"، كما فعل في ​الجلسة التشريعية​، مسنوداً بكتلة نيابيّة شماليّة، وبتأييد شعبي لمواقفه، بعدما إحتضرت شعبيّة الوزير السابق ​أشرف ريفي​، الذي بات خارج اللعبة السياسيّة، بخسارته في ​الانتخابات النيابية​.

وإزاء تراجع شعبيّة "المستقبل" تدريجياً، كما ثبّتت نتائج الانتخابات النيابيّة، فإنّ مصلحة "8 آذار" تقضي بتقوية شعبيّة الحريري، في وقت اصبح ميقاتي يشكّل عامل جذب لجمهور متشعّب، بعد انحسار حالة ريفي، وتراجع القوّة الزرقاء، وغياب فاعلية القوى التقليدية على الساحة السنيّة.