في ذروة التشاؤم والاحباط اللذين يتخبط فيهما القسم الكبير من ال​لبنان​يين، قد ينفع الاستمرار بالتمسك بالضوء الصغير الذي لا يزال يخترق سوداوية المشهد العام. ففي لبنان ما يستحق الصمود والبقاء رغم تضاعف التحديات وتعدد الأسباب التي قد تدفع للاستسلام، واذا توفرت الفرصة للرحيل. ومع ارتفاع نسب الراغبين بالهجرة، بحسب دراسات حديثة، علما ان النسب لطالما كانت مرتفعة على مرّ السنوات، سيكون من المفيد في مكان تعداد بعض الاسباب التي قد تدفع المستسلمين للنهوض من جديد لمواصلة المسيرة.

في لبنان، فريق سياسي شكّل على مر سنوات طويلة معارضة شرسة نجح مؤخرا بفرض نفسه كلاعب رئيسي في صفوف السلطة. سواء أكان على مستوى الطموحات أم كانت تجربته حتى الساعة مخيّبة، الا أن مجرد انتقاله من صفوف المعارضة الى الصفوف الأولى في السلطة كفيل وحده باحياء الأمل لدى المعارضين الجدد بقلب الطاولة والا لما نجح بعد 10 أو 15 سنة بتسلم الحكم.

في لبنان، رئيس جمهورية ليس سليل عائلة سياسية عتيقة ولا حتى غنيّة، صعد السلم درجة درجة، تسلم ​قيادة الجيش​ ومن ثم أرسى حالة شعبيّة، نجح بتنظيمها لتتحول مع مرور السنوات الى الحزب الأول صاحب أكبر كتلة نيابية في ​المجلس النيابي​. هذا سبب آخر جدير بأن يدفع أي متشائم لاحياء ايمانه بقدراته الذاتيّة المقرونة ببعض الحظ.

في لبنان، اعلامية ليست زوجة أحد النافذين أو بناته كما أنّها ليست سليلة احدى العائلات العريقة، نجحت وحيدة بخرق صفوف السلطة وبتشكيل حالة معارضة مكونة من شخص واحد يحارب على جبهات شتى. نائبة أدخلت مفهوما جديدا لكيفية ممارسة المرأة للعمل السياسي بعيدا عن التبعية الحزبية. سواء أقعنت من حولها بوجوب قلب الطاولة على الجميع دون استثناء وبأحقية شعار "كلن يعني كلن"، أو أنها خيبت آمال بعض من راهن على اتباعها نهجا أكثر سلاسة ودبلوماسية، الا أنها حالة أخرى، تؤكد أن في هذا البلد منفذ لكل ساع وصامد ومتمسك بالوصول الى أعلى السلم.

في لبنان، الكثير من الديمقراطية و​حرية التعبير​ عن الرأي رغم بعض التجاوزات في الفترة الماضية التي يعتقد البعض أنها تحتمل النقاش. هنا تتيح ​وسائل التواصل الاجتماعي​ لأي كان بأن يخرج ساعة يشاء للادلاء بموقف ما قد يتحول الشغل الشاغل للبنانيين لأيام وأسابيع. هنا قد يخرج أي ناشط ليحمل يافطة ليقف في شارع أو ساحة يختار ليعبّر عن رأيه من قضية ما، ليعترض أو ليؤيد حتى ولو كانت القضية لا تعنيه الا شخصيا.

في لبنان، صيف وشتاء وخريف وربيع، ولو فعل التغيير المناخي الضارب في دول العالم فعله فيها فقلّص فصولا ومدد فصولا أخرى.

في لبنان، الحياة لا تتوقف بعد الساعة الثامنة أو العاشرة كما في معظم دول العالم... هنا الفرح للباحث عنه متوفر في أي ساعة، هنا لكل منطقة طريقتها بالاحتفاء ولكل مجموعة طائفيّة أو مذهبيّة أعيادها وهو ما يجعلنا دائما "معيّدين".

صحيح أن للاستسلام ألف سبب وسبب، سواء لدى من عوّل كثيرا على العهد الجديد فأُحبط بعد مرور عامين، أو لدى من كان منذ البدء معارضا له ولم يتمكن بعد من الخروج من احباطه، الا انه بالمقابل يبقى هناك أسباب قد لا يتخطّى عددها أصابع اليدين كفيلة وحدها باحياء الأمل بالنفوس ووببث بعض التفاؤل في أجساد أنهكها الكفاح والصمود.