إلى الآن، لا زالت بعض الأقلام تبثُّ حقدها على الكنيسة ورجالاتها بحجّة الغيرة عليها وعليهم، وفي الجوهر رغبة دفينة في الإنقضاض على الكنيسة، رغبة لا تغيب عن إدراك كلّ قارىء وسامع ومتابع.

رَوى الرّاوون قِصصاً أقربُ إلى الملاحم، فيها من الخَيال ما تفوّق على ملحمة جلجامش، ولا زالوا إلى الآن يُحاولون بقريحتهم المريضة استغلال الحروف والفواصل لمُتابعة ما بدأوا به، وما ليس بريئاً البَتّة، وكأن كلّ سيّئات العالم انحصرت في الكنيسّة التي، وعلى الرّغم من مظاهر الضّعف التي فيها، تبقى عمود الحقّ ورُكنه، والرّافعة التي ترفع المؤمنين ب​يسوع المسيح​ إلى السّماء، ولا ننسى أن المسيح يُخلّصنا من خلال الكنيسة وبواستطها، هو ضمان وجودها واستمراريتها، وضمان قداسة أبنائها وبناتها.

أمّا الرواية الكاملة لزيارة الأعتاب الرّسوليّة، والتي هي عاديّة بالنسبة للكنيسة، وغير عاديّة بالنسبة لِمَن تنقصُهم الثّقافة الكنسيّة وطبيعة عملها وسير الأمور فيها، فنسوقُها كما وصلت إلينا من المصادر الكنسيّة الحريصة على أن تُعرَف الحقيقة المُجرّدة المرتبطة بهذه الزيارة، والبعيدة عن قريحة السّاعين إلى التضليل لغايةٍ في نفوسهم.

-أُعطي الموعد للسّادة الأساقفة لزيارة الأعتاب الرسوليّة يرأسهم البطريرك الماروني مار بشار بطرس ​الراعي​، فعبّرت بعض الشخصيّات الرسميّة عن رغبتها في مرافقتهم، فما كان من ​الكرسي الرسولي​ إلاّ أن أذِن بشخصيّة واحدة مع كّل أُسقف حتى فاقت الثمانين.

-يوم اللقاء عمد القيّمون على اللقاء إلى فصل الأساقفة عن الشخصيّات الرّسميّة لكي يتسنّى للبابا فرنسيس تكريس الوقت المناسب لهم، فتوجّه الأساقفة إلى القاعة الخاصّة بهم، وبقي قداسته في القاعة الخارجية مجتمعاً بالرّسميين لمدة نصف ساعة، وبعدها توجّه إلى القاعة حيث كان البطريرك الماروني والأساقفة بانتظاره.

-في بداية الإجتماع قال قداسة ​البابا​ للمجتمعين: "باستطاعتكم أن تقولوا كلّ شيء وأن تسألوا كلّ شيء، وحتى أن تنتقدوا البابا وأدائه، وهذا ليس بخطيئة إن تمَّ داخل جدران هذه القاعة، ولكن كلّ كلمة في الخارج هي خطيئة.

-توجّه السيد البطريرك بالشكر لقداسته على محبّته الخاصّة ل​لبنان​ وللكنيسة المارونية، وللوقت الذي كرّسه لهم، وبعد ذلك سأل قداسته الأساقفة أن يتفضّلوا بأسئلتهم.

-النصف الأول من اللقاء الذي دام ساعةً كاملة، تضمّن، أسئلة عامّة؛ عن شخص البابا ورؤيته الكنسيّة، وعن الوضع في لبنان.

-بعد ساعة من الوقت شكر الراعي للبابا فرنسيس على رحابة صدره واستأذنه بطرح السؤال الأخير، فأجابه قداسته: "إسألوا قَدرَ ما تشاؤون"؟، ودعا البطريرك إلى الجلوس.

- امتدّ الوقت الثاني على مدى ساعة إضافيّة كاملة، تركّزت فيها الأسئلة على: الشؤون الوطنيّة. مسألة النازحين. الوضع الإقتصادي، وشؤون المنطقة.

-بنهاية الساعة الثانية، وقف البطريرك الماروني مُجدّداً وشكر البابا قائلا: "شكراً من جديد يا صاحب القداسة، لقد أخذناك من عملِك، فبالتأكيد لديك أمور كثير تقوم بها في خدمة الكنيسة الجامعة"، فأجابه: "نعم، بالتأكيد، لديّ الكثير من الأمور أقوم بها، ولكن ليس أحبّ على قلب البابا من أن يكون جالساً مع أساقفته، فابقوا إن كان لديكم الوقت الإضافي".

-نصف ساعة أُخرى اختُتمت بالسؤال الأهمّ الذي سأله أحد الأساقفة: "هل هناك من أحد غير قداستكم، يؤمن بضرورة وجود المسيحيين في لبنان"؟. أجاب البابا: "نعم، هم كُثُر وعلى رأسهم ​أميركا​". وأمام استغراب الجميع، تابع قائلاً: "يُمكن أن تكون أميركا غير مهتمّة فينا كمسيحيين، ولكنّها تُدرِك بأن الموارنة في لبنان هُم عامل توازن بحاجة إليه المنطقة، لا سيّما في فترة الخضّات التي تُعاني منها".

-وانتهى الإجتماع ب​الصلاة​ والشكر لقداسته.