في الجزء الأَوَّل من "حرب أَصحاب المولِّدات الكهربائيَّة على الشَّعب اللُّبنانيِّ، في مقالتي المَنشورة في 8 تشرين الثَّاني الجاري تحت عنوان: "هل أَعلن أَصحاب المولِّدات الحرب على الشَّعب؟"، كنت تمنَّيت لو يبادر هؤلاء بالاعتذار من النَّاس عن "قطع ​الكهرباء​ عنهم عَمْدًا، غيرَ آبهين بطبيبٍ يَنتظر مرضاه دورَهم في العيادة طلبًا للشِّفاء من مرضٍ في الجسم أو لعلَّةٍ في الأَسنانِ، ومِن مريض كلًى أَنعمت عليهِ الأَيَّام بآلةٍ يَغسل بواسطتِها ومِن منزله كليةً مُتلفة، وآخر باغتَتْه حالٌ صحيَّةٌ طارئةٌ استوجَبَت نقلَه من الطَّبقَة الخامسة إِلى أَقرب ​مستشفى​ له..." غير أَنَّ "مافيا المولِّدات تلك، ماضيةٌ في حربها، وبلا هوادة... وآخر ابتكارات البعض من أَفرادها المحترَمين: رَفع الفاتورة بحسب "الأمبيراج" المُتَّفق عليه مع المُستهلك، كأَن يكون مثلاً 10 "أَمبير"، فيما يَلحق نظام الحِمية بـ"الديجنتير"، فلا يتعدَّى الـ5، إلى أَنْ يتنبَّه المواطن المُعرَّض للاحتيال إِلى سرقتِه، فتُبرَّر الفِعلةُ الشَّنيعة بالقول: "حصل خَطأ بينك وبين جارك الَّذي طلب خفض عدد (الأَمبيرات) لديه، منذ يومَين"، علمًا بأنَّ الكهرباء بَدأت بالانقطاع لدى تخطِّي عتبَة الـ"5 أمبير" منذ نيّفٍ وشهر، من دون أن تنفع كلُّ الاتِّصالات مع "سيادة" المُشرف على إدارة المولّد، ولا تُجدي في ربط الواقع بـ"مؤشِّر الأمبيراج" الوارد في الفاتورة...

والأَنكى من كلِّ ذلك أَنَّ باب المُنافسة وكسر الاحتكار الَّذي كانَت سمحت به البلديَّة علَّ وعسى التَّنافس يأتي لمصلحة المُستهلك، قد فعل فِعلته وأَدَّى إِلى الهدف، قبل إِصرار ​وزارة الاقتصاد​ على تركيب العدَّادات. وأَمَّا بعد هذه الخطوة، فقد التزم أَصحاب المُولِّدات بـ"ميثاق شرفٍ مافيويٍّ"، يَحول دون قبول اشتراك مَن قرَّر عدم التَّعامل مع صاحب مولِّدٍ، وبالتَّالي الانتقال إلى الاشتراك في مولدٍ آخر. وبعد التَّسهيلات و"العُروض الخاصَّة" للانتقال من مولِّدٍ إِلى آخر، بات صاحب المولِّد يَسألك: "هل أَنت مشترك في هذه الخدمة"، وإِن أَنت أَخطأت وأَجبتَهُ بالإِيجاب، يَعتذر منك فورًا...

وأَمَّا إِذا حاولت الاتِّصال ب​مصلحة حماية المستهلك​ على الرّقم 1739، فيلفِت نظرَك التَّسجيل الصَّوتيّ إِلى أَنَّ شريط التَّسجيلات بات مُمتلئًا بالشَّكاوى ولا إِمكان لتسجيلٍ إضافيٍّ عليه...

وبعد كلِّ هذا الاستخفاف في كرامات النَّاس وعزَّة نفسِهم، يأْتيك صاحب المولِّد، مطالبًا بـ"خوّة" جديدة، هي 350 أَلف ليرة لبنانيَّة، ليُشرِّع وضعَه -وعلى حسابك- تجاه وزارة الاقتصاد، فَيحمي بذلك جانبه، مِن مُصادرة مولِّده، إذا ما استرسل في مُخالفاته، ولم يلجَأ إلى تركيب العدَّادات!.

أو عساهُ يُريد الانتقام منك، لِكون "الدَّولة تتعقَّب مُخالفات تِلك المافيات، الواسعة الانتشار على طُول البلاد وعرضِها...

​​​​​​​

لذا ينظر النَّاس إِلى "المبادرات الإِنقاذيَّة" الَّتي يقوم بها رؤساء البلديَّات لتصويب الأُمور ورفع الغبن عن المُواطن في هذه النَّاحية، بكثيرٍ من التَّفاؤل، عسى شرارة مُحاربة الفَساد الَّتي بدأَت عمليًّا مع رئيس بلديَّة الحدت ​جورج عون​، تَنسحب على باقي القطاعات وسائر أَوكار الفساد. وبخاصّةٍ بعد ما أَعلنَهُ وزير الاقتصاد ​رائد خوري​، في شأْن مُلاحقة أَصحاب المُولِّدات المُخالفين، إِذ أَكد مُتابعة المرحلة الثَّالثة، وهي المصادرة الَّتي ستنسَحِب على كلِّ المناطق اللُّبنانيَّة، مُعلنا تسطير 1600 مَحضر ضبطٍ، واستدعاء 300 صاحب مُولِّد خلال شهرين فقط، في شأْنِ مُخالفاتٍ جزائيَّةٍ.

وما قُلناه في الجزء الأَوَّل من المقالة السَّابقة، نُكرِّره اليوم: حذارِ الوقوف في وجه شعبٍ، لم تَقوَ عليه اسرائيل، فهو بالطَّبع لن ينهزمَ أَمام الفسادِ، في عهدٍ عُنوانه العريض: "التَّغيير والإِصلاح".