في آب من العام 2013، استلم ​محمد جواد ظريف​ مهماته في ​وزارة الخارجية الايرانية​ بعد تزكية الرئيس الايراني ​حسن روحاني​ له. وقتها كانت ​إيران​ قد دخلت في مفاوضات الملف النووي مع الدول الكبرى، ولم يكن لروحاني خيارا أفضل من ظريف لتولي دفّتها، وهو الذي يكاد يكون من أذكى الدبلوماسيين الذين مرّوا على إيران منذ الثورة الاسلامية حتى اليوم.

قبل تسلّمه ملفّ الخارجية شغل مبتكر مبدأ "دبلوماسية الابتسامة" مناصب دوليّة ومحليّة عديدة فكان مستشارًا وكبير مستشاري وزير الخارجية، ونائب وزير الخارجية للشؤون القانونية والدوليّة، وعضوا بارزا في مبادرة حوار الحضارات، ورئيس لجنة نزع السلاح التابعة للأمم المتحدة في نيويورك، ومشاركا بارزا في الحوكمة العالميّة، ونائبا للشؤون الدولية في جامعة آزاد الإسلامية.

بعد إنجازه النووي النوعي في العام 2015، واحتلاله حديث الصحافة العالمية عنه وعن حنكته، ورغم نجاح محاولات وزير الخارجية الإيراني في تبييض صفحة إيران أمام المجتمع الأوروبي لتفادي كامل تأثير العقوبات الأميركيّة على اقتصاد بلده، إلا أنه لم ينجح في حماية نفسه من الإنتقادات والهجومات التي خاضها المحافظون في إيران عليه، اذ قد يتعرّض ظريف في الأيام المقبلة وتحديدا في الجلسة المقبلة للمجلس النيابي لمساءلة من قبل ​البرلمان الإيراني​ بسبب تصريحاته عن تبييض الاموال في إيران، والشكل الذي انتهت اليه "اتفاقية الانضمام لمجموعة العمل المالي الدوليّة" التي انضمّت إيران اليها بعد التفاوض باسمها من قبل وزير الخارجية، بشأن آليات مكافحة تبييض الأموال و​تمويل الإرهاب​.

رأى ظريف أن في إيران "لوبي" يبيّض الاموال ويحاول تشكيل جبهة معارضة لانضمام إيران الى الاتفاقية، الامر الذي أغضب المحافظين الذين وصفوا إدعاءه بشأن غسيل الأموال "افتراء ضد النظام"، متهمينه "بخدمة مصالح أعداء إيران".

بالنسبة للمحافظين لا يجب أن يمر كلام ظريف مرور الكرام كونه يجلس على رأس وزارة الخارجية، وبالتالي يجب ان يكون كلامه مسؤولا وخاضعا للتحقيق والتدقيق من قبل البرلمان، فإذا كانت التصريحات مبنيّة على حقائق وأدلّة فليقدمها لرئيس البرلمان والنواب واذا كانت افتراءات هدفها سياسي فيجب ان يتحمل المسؤولية.

في إيران يتحرك القضاء مباشرة عند أي كلام مماثل كونه يرى فيه إخبارا يستحق البحث والتحرّي، وهذا ما حصل مع رئيس الدبلوماسيّة الايرانية حيث طالبته النيابة العامة بالوثائق والمستندات التي دفعته إلى هذا التصريح، فردّ جواباً عليها مؤلفا من 12 صفحة أوضح فيه تصريحه وإصراره على المضي في القانون، ولكن ذلك لم يعفه من ملاحقة المحافظين الذين أصروا على خضوعه للمساءلة برلمانيا.

خارجياً، لا يزال ظريف يقوم بجولاته المكوكية بين الدول الأوروبية بحثاً عن حلول جديدة لدفع الأوروبيين إلى السير في الاتفاق النوي القديم دون الاهتمام بالقرار الأميركي، ولكن في الأيام الماضية كان ظريف أكثر حزماً في تصريحاته، إذ انه يتلقى وعوداً أوروبية دون تنفيذ على الأرض، ما دفعه في إيطاليا إلى توجيه الكلام القاسي بحق المتنصلين من وعودهم عندما قال لهم: "لا يمكنكم أن تسبحوا من دون أن تبتلّوا"، في اشارة واضحة الى أن الدول التي تريد ان تستفيد في ملفّ ما عليها ان "تعرق".

لا شك أن صاحب مقولة "عليك أن تبتسم دوما في الدبلوماسيّة. لكن لا تنسى أبدا أنك تتحدث مع عدو"، يعلم تماما ان الضغوطات الداخليّة عليه تكاد تكون اكبر من تلك الخارجيّة، فهل ينجح الداخل بما عجز عنه الخارج ويُسقط ظريف عن رأس الدبلوماسية الإيرانية؟.