انشغل لبنان في اليومين الماضيين بالحادثة التي شهدتها بلدة ​الجاهلية​ وادّت الى وفاة محمد ابو ذياب مرافق الوزير السابق ​وئام وهاب​، وفيما كانت الجبهة السياسيّة مشتعلة، كانت الجبهة الميدانيّة على نار حامية، حتى وصل الامر بوهّاب الى التلميح الى ان حرباً اهليّة قد تندلع جراء ما حصل. ولكن، هذا الامر لم يحصل، ولم يتعرض الوضع الامني للخطر، فما الذي منع تدهور هذا الوضع وكيف تم تجنبه؟.

في الواقع، وعلى الرغم من اهمية ما حصل، لم يكن احد على استعداد لايصال الامور الى عواقب لا تحمد، ولن يكون من الممكن التراجع عنها في وقت لاحق. فالكلام السياسي وان وصل الى حد الشتيمة والاهانات الشخصية، يبقى اسهل من وصول الخلافات الى حدّ اراقة الدماء، بحيث يكون السقف قد تم خرقه ولم يعد بالامكان اصلاحه. وعليه، اتت المواقف من الجميع على شكل تهدئة، فحتى وهاب نفسه، خفض من وتيرة الكلام التهديدي وبات موقفه اكثر هدوءاً ورويّة ولو انه بقي في السيّاسة يطلق سهامه على رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​ ومدير عام الامن الداخلي ​اللواء عماد عثمان​ ومدعي عام التمييز سمير حمود، الذين باتوا بالنسبة اليه بمثابة "محور الشر". هذا الكلام خفّف من الشحن الذي كان سائداً من قبل مرافقي ومؤيدي وهاب ومنع انزلاقهم الى أيّ أمر من شأنه تعقيد الامور والحسابات.

إضافة الى ذلك، كان موقف رئيس التقدمي الاشتراكي ​وليد جنبلاط​ بمثابة الغطاء المطلوب لعدم اظهار أي استهداف للطائفة الدرزية على يد الحريري واللواء عثمان وهما من الطائفة السنّية، وقد سارع جنبلاط لاعلان موقفه السياسي من بيت الوسط تحديداً مع كل ما يحمله ذلك من دلالات ورسائل. وعليه، لم يكن وارداً اي حديث عن استهداف للطائفة كلها، الا انها في المقابل، زادت الشرخ الموجود داخل هذه الطائفة بفعل التضامن الظاهر للنائب ​طلال ارسلان​ مع وهاب.

وفي خضمّ الاشتباكات وحماوة الوضع، تطلع الكثيرون الى ما سيكون عليه موقف "حزب الله" الذي لجأ اليه وهّاب، ولكن من الغني عن القول أنّ الحزب ليس في وارد القيام بأيّ خطوة من شأنها تشكيل أيّ خطر على الوضع الامني، وأن يتحمل مسؤولية أي دم قد يهدر جراء ذلك. وفي الاساس، من غير المنطقي أن يضع الحزب نفسه وسط ما صوّره وهاب على انه اعتداء على الطائفة الدرزيّة، فيكفي الحزب ما يتعرّض له من انتقاد على خلفية "دفاعه" عن النواب السنّة الستّة ضد الحريري اي وسط مواجهة سياسية سنّية-سنّية.

ان دخول الجيش اللبناني على الخط لاعادة التهدئة، اعطى بعضاً من الطمأنينة، خصوصاً وانه مقبول من جميع الاطراف. ففي حين يتهم البعض فرع المعلومات في ​قوى الامن الداخلي​ على انه "محسوب" على الطائفة السنّية، لم يتعرض الجيش لأيّ اتهامات بـ"المحسوبيّة" على أيّ طائفة، وهو مصدر ثقة للبنانيين، وهو ما تجلى بالتصريحات والمواقف التي اطلقها كل السياسيين والمسؤولين الحزبيين بمن فيهم وهاب.

لم ينسَ احد بعد أنّ المظلّة الدوليّة لا تزال تخيّم فوق لبنان، وبالتالي فهي لا تزال تعمل بشكل تام وليس من السهل خرقها من قبل اطراف خارجية، فكم بالحريّ ان يتمّ خرقها من اطراف داخلية؟ انها مهمة شبه مستحيلة.

كل هذه الاسباب وغيرها، أدّت الى منع تفاقم الوضع الامني حدّة، فيما كان البعض يتخوّف مما شاهده من ظهور مسلح وتطويق شوارع ومناطق واقامة الدشم وقطع الطرق، الا ان الامور سرعان ما عادت الى طبيعتها، الا ان هذا لا يعني ان الاجواء السياسيّة ستكون على المقدار نفسه من الهدوء.