أبعد من "المواجهة" التي ترجمت على الأرض بين رئيس حزب "التوحيد العربي" الوزير السابق ​وئام وهاب​، والدولة اللبنانية ممثلة بجهازيها القضائي والأمني، ومن خلفهما رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​، "مواجهة" أخرى بدأت تُرسَم معالمها بوضوح في الساعات الماضية، داخل الساحة الدرزية تحديداً.

وإذا كانت تصريحات وهّاب الأسبوع الماضي "لم تُبقِ له صاحباً"، لما تضمّنته من "تجريح شخصي" بالحريري رأى فيه كثيرون "خروجاً عن الآداب واللياقات"، فإنّ حادثة الجاهليّة وما ترتّب عليها من تداعياتٍ لم تنتهِ فصولاً بعد أعادت له "الاعتبار"، بل منحته "تضامناً" وربما "تعاطفاً" غير مسبوق، أبداه حتى بعض خصوم الرجل التاريخيّين.

بيد أنّ "المفارقة" في كلّ ما حصل تمثّلت في موقف رئيس "​الحزب التقدمي الاشتراكي​" ​وليد جنبلاط​ الذي منح لعمليّة الجاهليّة ما يمكن وصفه بـ"الغطاء الدرزي"، وصولاً لحدّ "مباركتها"، لإنهاء ما وصفها حزبه بـ"الحالة الأمنية الشاذة في الجبل". فهل أخطأ جنبلاط بموقفه هذا؟ وأيّ اعتباراتٍ دفعته لاتخاذه؟!.

منطق الدولة أولاً؟

في بيانه، انتقد "الاشتراكي" ما وصفها بـ"الحالة الأمنية الشاذة التي يمثلها البعض، والتي طالما استهدفت استباحة الجبل في أمنه وسلمه، وبسبب منطق الخروج عن القانون والعبث بالأمن والذي حظي برعاية وتغطية ما"، في غمزٍ غير مستترٍ من قناة وهاب تحديداً، الذي لم يوفّر بدوره خصمه، فانهال عليه بالنعوت، معتبراً أنّ "جنبلاط ينفخ في بوق الفتنة".

ولعلّ مأخذ وهّاب الأول على جنبلاط هو أنه نقل القضية من خلاف سياسي مع رئيس الحكومة المكلف، وإن شابته بعض الشوائب التي اعتذر عنها، إلى مبارزة درزية-درزية داخل الطائفة، من خلال وقوفه "طرفاً" بوضوح في مواجهة رئيس حزب "التوحيد العربي"، بل "مباركته" عملية توقيفه المفترضة قبل حصولها من دارة الحريري، ليبدو في مكانٍ ما وكأنّه "المحرّض" عليها، عبر الإيحاء بأنّها تحظى بالغطاء السياسي الدرزي، بل بضوءٍ أخضر من "الزعيم" الأول في الطائفة.

إلا أنّ هذه القراءة تصطدم بقراءة مضادة يعبّر عنها مسؤولو "الحزب التقدمي الاشتراكي" الذين يصرّون على أنّ القضية ليست درزية-درزية بأيّ شكلٍ من الأشكال، وانّ من يريد تصويرها كذلك هو الذي "ينفخ في بوق الفتنة"، بل يستدعيها ربما تنفيذاً لـ"أجندات مشبوهة وخارجية المنشأ"، موجّهين أصابع الإتّهام بالتحديد إلى النظام السوري، في ضوء مواقف "البيك" المبدئية والثابتة منه، والتي لن يحيد عنها، في مقابل "العلاقة العضوية" التي تجمع وهاب بهذا النظام، كما يعرف القاصي والداني.

ولا يتردّد "الاشتراكيون" في القول إنّ جنبلاط وحزبه من خلفه، ليس "طرفاً" في كلّ ما حصل ويحصل، إلا أنّه ينطلق من عنوانٍ أساسي جوهره "منطق الدولة أولاً"، وبالتالي فإنّه يقف مع كلّ عملية أمنيّة شرعيّة تهدف إلى تثبيت القانون وتنفيذه. ومع ذلك، لا يستبعدون وجود "نوايا" لإقحامهم في المسألة، خصوصاً بعد "العراضات" التي نفذها بعض مناصري وهّاب أمام المختارة، ما يجعلهم أكثر اقتناعا بوجود "رسالة" ما من خلف الحدود.

خريطة جديدة؟

هي "الفتنة" وقد لاحت في الأفق الدرزي خلال الساعات الماضية. تكفي للدلالة على ذلك العودة إلى تصريحات جنبلاط ووهاب، معطوفة على بيانات حزبيهما، بعيداً عن دعوات "التهدئة" التي لم يترجماها قبل غيرهما.

إلا أنّ "المفاجئ" وسط الاحتقان الذي شهدته الساحة الدرزيّة، كان دخول النائب ​طلال أرسلان​ على خطها "متضامناً" مع وهاب، الذي لم يكن قد وفّره في الآونة الأخيرة من هجومه وتصويبه، خصوصاً في مرحلة بحث "العقدة الدرزيّة". يومها، لم يتوانَ وهّاب عن الوقوف إلى جانب جنبلاط في مواجهة أرسلان، بل ذهب إلى حدّ اعتبار أنّ الأخير "يتوسّل" مقعداً وزارياً في الحكومة، وأنّه لا يستحقّ "زعامة" ولا من يحزنون.

من هنا، يعتبر كثيرون أنّ الموقف الذي أخذه أرسلان ليس "كرمى لعيون وهّاب" بقدر ما يأتي في سياق "الحرب" التي يخوضها في وجه جنبلاط، منذ انفجار "الخلاف" بينهما بعيد الانتخابات النيابيّة الأخيرة، والذي وصل إلى أوجه مع حادثة الشويفات الشهيرة. ولذلك، يمكن القول إنّ موقف جنبلاط هو الذي أخرج أرسلان عن صمته، وجعله "ينحاز" لصالح وهّاب، الذي لم يستطع "حلفهما المشترك" لا مع النظام السوري ولا في إطار قوى "8 آذار"، أن يجمعهما في السابق على طاولة واحدة.

انطلاقاً من ذلك، يعتبر البعض أنّ جنبلاط لم يكن "موفّقاً" بمباركته عمليّة الجاهليّة، ليس لأنّ الأخيرة لم تكن متقنة ولا مدروسة في الشكل والمضمون، وأنّها أفادت وهّاب من حيث يدري أو لا يدري القيّمون عليها، ولكن قبل ذلك لأنه بدل أن يمنح "الغطاء" للقضاء على ما وصفها بـ"الحالة الشاذة"، أعطاه لتعزيز ما يمكن تسميته بـ"المعارضة الدرزيّة". وخير دليلٍ على ذلك ما بدأ يُطرح في الكواليس السياسيّة عن نواة "تحالفٍ" بدأ الإعداد له بين أرسلان ووهاب لمواجهة الحالة الجنبلاطيّة في المرحلة المقبلة، وإن كان كثيرون يشكّكون حتى اللحظة بإمكان حصول أيّ اتفاقٍ طويل الأمد بين الرجلين، استناداً إلى التجارب السابقة.

من يضبطها؟!

"الدولة أولاً". يتمسّك "الاشتراكيون" بهذا المنطق، في إطار توضيح موقف جنبلاط من عمليّة الجاهليّة الأخيرة. بالنسبة إليهم، الجوهر ليس في ما حصل في بلدة الجاهليّة، بل في ما سبقها وأفضى إليها، وتحديداً في سلوكيّاتٍ باتت "عبئاً" على البلدة قبل غيرها.

في الشكل، يبدو مثل هذا الموقف منطقياً وسليماً، ولكن في المضمون، علامات استفهام كثيرة يطرحها خصوم "البيك" حول موقفه. فهل كان مضطراً لاتخاذه في العلن وبهذا الشكل؟ وما الذي جناه منه عملياً، بعيداً عن "مسايرة" رئيس الحكومة؟.

وأبعد من ذلك، ماذا لو وقعت الفتنة "العمياء" فعلاً؟ من يضمن ردود الفعل؟ ومن يستطيع عندها ضبط الشارع؟!