سعى الرَّئيس التُّركيُّ رجب طيب إِردوغان إِلى ​محاربة الفساد​ في بلاده، فأَخفق في نواحٍ، وسجَّل نقاطًا إيجابيَّة في مجالاتٍ أُخرى، وظُلِمَ في مكانٍ ما، وبِخاصَّةٍ حينَ أَخَذَ المُراقبون ينظُرون إِلى صهر إردوغان "الوسيم"، ذي الكاريزما القويَّة، على أَنَّه خليفة لهُ بعد عام 2028، والوَريث للنِّظام الإِردوغانيِّ الجَديد، حيث يستمدُّ الصِّهر بيرات البيرق قوَّته من والد زوجته، بحسب رأي بعض المُراقبين.

وتزوَّج البيرق من إِسراء، الابنة الكُبرى لإِردوغان منذ عام 2004. ولكن قبل زواجه، كان مُديرًا لمجموعة "جاليك" التُّركيَّة القابضة، وأَحد أَبرز مَن يُطلق عليهم "نُمور الأَناضول" في حزب "العدالة والتَّنمية". كما وأَنَّه كان اشترى صحيفة "الصَّباح" التُّركيَّة بـِ1.5 مليار دولار، كما واشترى القناة التِّلفزيونيَّة الإِخباريَّة "خبر"، بعد حصوله على قرض مُساعدةٍ من مصارفَ حكوميَّةٍ بـِ750 مليون دولار. وقد أَصبح يتولاَّها الآن شقيقُه يافوز.

غير أنَّ البيرق تورَّطَ في قضايا فسادٍ على ذمَّةِ محاكمة أُجريَت في إِيران لرجال أعمالٍ تَورَّطوا في ملفِّ فسادٍ نفطيٍّ، شارك فيها أَيضًا رجل أَعمال تركيٍّ يُدعى رضا ضراب، ومَسؤولون أَتراك... وبعد ذلك اتَّهمت "الشَّركة الوطنيَّة الإِيرانيَّة للنِّفط" صهر إِردوغان، بالاستيلاء على أَموال النَّفط الإِيرانيَّة. هي مَشهديَّةٌ أُخرى، من مَشهديَّات رياحِ الفَساد العابرةِ للدُّول.

وأَمَّا الفساد المُغلِّف للإِرهاب، فيَقتل مرَّتين: بِسرقة المال العامِّ والمُساهمة في إِفقار الشَّعب من خلال مدِّ اليَد على حقوق الدَّولة، كما وبالسِّلاح الفعليِّ. وتبيَّنَ أَنَّ البيرق مموِّلٌ لِتنظيم "داعش"، إِذ طاولَته أَيضًا شُبهات في شَأْن علاقته السِّريَّة بِالتَّنظيم الإِرهابيِّ، بعدما اشترى من "داعش" النِّفط خلال السَّنوات الماضية. وفي هذا الإِطار، وثَّقَت وكالة "ويكيليكس" ونشرت، مجموعةً كبيرةً من الرَّسائل الإِلكترونيَّة لبيرات، بين عامي 2000 وأَواخر 2016. غير أَنَّ دعم بيرات "داعش" لم يَقترن حصرًا بِصَفقات النَّفط، بل إِنَّ الصَّفقات المُمَوِّلَة للإِرهابِ تلك، كانت وجهًا من وجوه التَّعاون والدَّعم...

وأَوردَت صحيفة "الإِندِبندنت" البريطانيَّة في كانون الأَوَّل 2016 أَنَّ ثمَّة أَدلَّةً قويَّة على علاقة صهر إِردوغان بشركةٍ تركيَّةٍ مُتَّهمةٍ بشراء النَّفط من تَنظيم "داعش"، الَّذي كان يُسيطر على عددٍ كبيرٍ من آبارِ النِّفط فى ​سوريا​ و​العراق​، بين عامَي 2015 و2016.

ومن ​بريطانيا​ إِلى ​روسيا​، حيثُ "فُضِحت عائلة إِردوغان"، بعدَما اتُّهِمت بالاتجار بالنَّفط المُنتَج في مناطق "داعش". وقال حينذاك نائب وزير الدِّفاع الرُّوسيّ أَناتولي أَنطونوف، أَواخر 2016، إِنَّ ابن إِردوغان بلال وصهره يُتاجران بالنَّفط الَّذي تبيعُه "داعش" إِلى وسطاء، وينتهي في آخر المَطاف في تُركيا.

كما وتربط صهر إِردوغان علاقاتٌ بإِسرائيل، فبعدَ تطبيع العلاقات بين البلدَين، سلَّمه إِردوغان "ملفَّ التَّطبيع". وقد سافر الصِّهرُ إِلى إِسرائيل عام 2016، وعقد لقاءاتٍ مع نظيره الإِسرائيليِّ يوفال شتاينت، تطرَّقت إِلى تعاون البلدَين في مَجال نقل الغاز المُستَخرَج من الحُقول الإِسرائيليَّة في البحر المتوسِّط إِلى ​تركيا​ والقارة الأُوروبيَّة.

لِهذه الأَسباب كما ولِغيرها، أَصدرت مُنظَّمة الشَّفافيَّة الدَّوليَّة، وهي مُنظَّمةٌ غير حُكوميَّةٍ، مُؤَشرها الخاصّ لِقياس الفساد لِعام 2017، حيث أَظهر اتِّجاهاتٍ متردِّيةً للفساد في تركيا منذ 2013. وجاءَ في التَّقرير أَنَّ المُؤشِّر "يُصنِّف 180 بلدًا ومنطقةً استنادًا إِلى مستوياتٍ متصوِّرة للفساد في القطاع العام بها، وَفقًا لخبراء وشخصيَّاتٍ عاملةٍ في قطاعِ الأَعمالِ. وفي التَّقرير مقياسٌ يبدأُ من الرَّقم صفر وينتهي في الـ100، باعتبار أَنَّ الرَّقم صفر هو "قمَّة الفساد"، و100 هو حدُّه الأَدنى."

وفي العام 2017، كان متوسِّط الرَّصيد في القائمة 43، وسَجَّلت أَكثر من ثُلثي الدُّول المُدرجة في القائمة أَقلَّ من 50 نقطة. وأَمَّا تُركيا فسَجَّلت 40 نُقطة، ما يَعني تراجُعًا في مُستواها على مِقياس الفساد للعامِ الخامس على التَّوالي، وبعشر نقاطٍ هذه المرَّة، لتحتلَّ المركز 81 في التَّرتيب العامّ.

ويَضع هذا التَّصنيف تُركيا، في مرتبةٍ أَدنى من كُلِّ دول الاتِّحاد الأُوروبيِّ، وعددُها ثمانيةٌ وعشرون، وبالتَّالي فهي مُتأخِّرةٌ بفارق 49 نقطة، عن أَقلِّ البلاد فسادًا على مِقياس المؤشِّر وهي نيوزيلندا. وللحَديث صِلة...