اما وقد اسدل الستار على الشق الامني من حادثة ​الجاهلية​، فتح الباب عريضاً على الشق السياسي، واخذت الامور منحى تصعيدياً متوقعاً، بقيت معه الصورة ضبابيّة في انتظار جلاء غبار السجالات والمماحكات.

وفي خضم هذه المواجهات الكلامية، تم ربط المسألة بالوضع الحكومي، وانقسمت آراء السياسيين حول هذه المسألة فمنهم من رأى انها زادت الامور تعقيداً، ومنهم من اعتبر انها ستشكل الدفع اللازم للاسراع في التشكيل، فتبصر الحكومة النور قبل نهاية العام. ولكن، بين هذا وذاك، كلام كثير ومواقف تم الاعلان عنها، كلها تشير الى ان الاوضاع السياسيّة ليست على ما يرام، اما حال اللاعبين المحليين الاساسيين، فليست افضل حالاً. فعلى خط رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، لم يصدر أيّ شيء يمكن ان يستشفّ منه ما اذا كانت الامور تتقدم ام تتراجع او على الاقل تراوح مكانها، وكل المواقف التي يطلقها لا تدخل بالتفاصيل ولا بسبل العلاج. وهو بذلك يعمل على خطّين: الأوّل عدم الافساح في المجال امام تفسير مواقفه على انها عرقلة للتشكيل او استهداف لشخص او تيار او حزب، والثاني هو ابقاء المبادرة التي قام بها وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال ​جبران باسيل​ حيّة، ولو انها لم تفضِ الى اي نتيجة ملموسة بعد، علماً انه (اي الرئيس) لا يستسيغ كثيراً ان تطول فترة الانتظار، فهو يترقّب بقلق وأسف ضياع فترة زمنيّة مهمة من عمر عهده الذي دخل سنته الثالثة دون ان ينطلق بـ"حكومة العهد الاولى".

اللاعب الثاني المعني هو رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​، وهو في وضع "مقبول" سياسياً، اذا نه يدرك توافق الجميع عليه لترؤس الحكومة العتيدة، ولكنه في الوقت نفسه يواجه مشكلة داخل البيت السنّي يرغب في تخطّيها لاظهار مدى قوّته السياسية ولدى اهل السنّة. الا انه هذه المرة، دخل في صراع سياسي حام مع الوزير السابق ​وئام وهاب​، واتت احداث الجاهلية ونتائجها الدمويّة بمثابة كرة نار جديدة تم وضعها بين يديّ الحريري. وهو في هذا المجال وجد نفسه عالقاً بين قرارين: فإذا سهّل الامور وسرّع من خطوات تشكيل الحكومة، سيكون كمّن رضخ للقوّة ووصل الى تفاهم مع القوى الاخرى (وبالاخص ​حزب الله​) من منطلق ضعف وليس من منطلق قوة. اما في حال استمرّ على موقفه المعارض تماماً لتوزير أيّ من النواب السنّة الستّة، فسيظهر بموقع المتحدّي لحزب الله، وسيتمّ اتهامه ايضاً بأنه مستعد ( بعد احداث الجاهلية)، الى غضّ النظر عن ادخال لبنان في خطر الانزلاق الامني والسياسي والاقتصادي لاثبات نفسه وتعزيز موقعه ونفوذه السياسي. وفي الحالتين، ليس هناك من انتصار مطلق للحريري، وسيكون القرار الذي سيتخذه، اياً يكن، مجرد انتصار جزئي. ولكنه في مقابل، ذلك، وانطلاقاً من اجماع الاطراف كافة عليه، يملك وحده "ترف الانتظار والوقت"، وفهو لا يزال صاحب المركز السياسي الاعلى للطائفة السنّية، كما ان رصيده الشعبي في الشارع السنّي قد زاد عما كان عليه، لذلك من المرجح ان يتحمّل الاتهامات له بالتعطيل لانها تبقى أخفّ وطأة عليه من ان يراه مؤيدوه بمظهر "المغلوب".

يبقى الطرف الثالث الاساسي وهو حزب الله. يعلم الجميع المسلّمات التي ينطلق منها وهي التي تعارض بشكل حاسم حصول أيّ تدهور امنيّ، او الوصول الى فتنة سنّية-شيعية. الا ان كل ما يبعد عن هذين الموضوعين، لا يشكل احراجاً له، فهو دعم ويدعم النواب السنّة الستّة، كما انه دعم ويدعم وهّاب في تحركه السياسي، ويستند الى اطمئنان للعلاقة مع الاطراف الاخرى التي لم تقطع أيّ خيط معه بمن فيها القوات اللبنانية وتيار المستقبل والنائب السابق ​وليد جنبلاط​. وبالتالي، من المتوقع ان يستمرّ الحزب على هذه السياسة دون ان يعمد الى تغييرها، ما لم يتم الوصول الى نقطة مشتركة من قبل سعاة الخير، تحفظ ماء وجه الجميع، فيبقى امام مؤيديه ومحبيه وفياً لالتزاماته.

قد تكون احداث الجاهلية قد ساهمت في اسوداد الصورة السياسيّة، ولكن في لبنان، لا يحتاج الامر الى اكثر من كلمة سحريّة كفيلة بحل كل العقد بسرعة قياسية.