ليس مُهمًّا إذا كانت إسرائيل قد إكتشفت فعلًا أنفاقًا حفرها "​حزب الله​" على الحُدود الجنوبيّة ل​لبنان​، أم إذا كانت تُطلق أكاذيب إعلاميّة، حيث تُوجد سلسلة من الوقائع التي تفرض نفسها، بمعزل عن أي حرب إعلاميّة وسياسيّة ومعنويّة، بين إسرائيل من جهة و"حزب الله" من جهة أخرى، علمًا أنّ هذا الأخير لن ينجرّ إلى اللعبة الدعائيّة الإسرائيليّة، وسيكتفي في المرحلة الراهنة بالموقف اللبناني الرسمي من الموضوع. ومن بين أبرز الوقائع التي تتحدّث عن نفسها:

أوّلاً: إنّ حديث إسرائيل عن إكتشاف مجموعة من الأنفاق السريّة التي حفرها "حزب الله" من داخل لبنان إلى ما بعد الحُدود، بهدف التسلّل إلى داخل العُمق الإسرائيلي والقيام بعمليّات هُجوميّة في أي حرب مُقبلة، يدخل في سياق قرار إسرائيلي رفيع المُستوى، بتصعيد الموقفين السياسي والإعلامي مع لبنان الرسمي، ومع "حزب الله"، وهو نهج تصاعدي بدا واضحًا خلال الأسابيع القليلة الماضية. والهدف من هذه الحملة الدعائيّة يتمثّل باستدراج تدخّلات دبلوماسيّة غربيّة، وذلك على أمل إعادة ترتيب الوضع القائم في الجنوب منذ سنوات طويلة. فالشُبهة الإسرائيلية بوجود أنفاق للحزب من شأنها تسهيل التسلّل من لبنان إلى خلف مواقعها العسكريّة الأماميّة ليست بجديدة، ولطالما تحدّثت إسرائيل عن ذلك، لكنّها قرّرت اليوم الإضاءة إعلاميًا وبشكل مُركّز على هذا الموضوع، في ظلّ توتير مُتعمّد للأجواء الأمنيّة والسياسيّة، عبر إطلاق التهديدات بمُوازاة الحديث عن عمليّة بإسم "درع الشمال" تهدف إلى إكتشاف ما تتحدّث عنه من أنفاق وتدمير كامل خُطوطها.

ثانيًا: إنّ إسرائيل التي نجحت عند إنتهاء حرب تمّوز في العام 2006، بإنتزاع قرارات دَوليّة، كانت كافية لفرض الهُدوء على الحُدود مع لبنان، فشلت من جهة أخرى بأن يكون لهذه القرارات وللوُجود الدَولي عبر قوّات الأمم المتحدة في الجنوب، أيّ أثر في الحدّ من أنشطة "حزب الله" العسكريّة والأمنيّة السرّية في المنطقة، أو في وقف عمل "الحزب" المُتواصل في تحضير البُنى التحتيّة الدفاعيّة والهُجوميّة المُناسبة، ليكون بموقع قُوّة في أي حرب مُقبلة. وبالتالي، ليس بسرّ أنّ "حزب الله" يعمل بجهد منذ إنتهاء حرب تمّوز 2006 على تحضير بنية عسكريّة متينة، تسمح بالقتال لأشهر طويلة ضُدّ ​الجيش الإسرائيلي​، مع تركيز كبير على بنية كاملة ومُتكاملة سرّية وتحت الأرض، كون هذه النقطة بالتحديد تُشكّل الحدّ الفاصل بين إنتصار "الحزب" في أي معركة آتية وهزيمته. والسبب أنّ أي مركز ظاهر ومكشوف، هو عرضة للتدمير من جانب الطيران الإسرائيلي، بينما أيّ موقع سرّي تحت الأرض، أكان لإطلاق صواريخ أرض-أرض، أو لتمركز المُقاتلين المُزوّدين بصواريخ مُضادة للدُروع، أو لسواهما من المهمّات العسكريّة واللوجستيّة وحتى الطبيّة، يُمثّل سببًا إضافيًّا للقتال الفعّال والناجح لفترة زمنيّة طويلة. وبالتالي تُحاول إسرائيل، عبر حملتها المُتجدّدة وعبر ضُغوطها المُتصاعدة، عرقلة ما يقوم به "الحزب" كونها تُدرك سلفًا أنّها عاجزة عن وقف هذا المنحى وعن إزالة الأخطار المُحدقة بها.

ثالثًا: بالنسبة إلى مسألة حفر الأنفاق الهُجوميّة، فهي تدخل في سياق نقاط القُوّة التي تملكها الجماعات اللبنانيّة والفلسطينيّة التي تُقاتل الجيش الإسرائيلي، وقد تمّ إستخدام مجموعة صغيرة من هذه الأنفاق خلال معارك سابقة بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين في السنوات القليلة الماضية، حيث نفّذت مجموعات قتاليّة فلسطينيّة صغيرة عمليّات تسلّل مُفاجئة إلى عمق بعض المُستوطنات-ولوّ لفترات زمنيّة محدودة. وقد دفع هذا الخرق الأمني الخطير إسرائيل إلى إتخاذ تدابير عاجلة قضت بتكثيف نشر كاميرات المُراقبة داخل المُستوطنات وفي مُحيطها أيضًا، وإلى تكثيف نقاط المُراقبة الأمنيّة ورصد التحرّكات المُعادية لها. وبالتالي، ليس بغريب أن يقوم "حزب الله" بتحضير مجموعة من الأنفاق الحُدوديّة التي يُمكن أن تُستخدم في المستقبل لإرباك الجيش الإسرائيلي، ولنقل المعركة من داخل الحُدود اللبنانية إلى خارجها إذا إقتضى الأمر. لكن بالتأكيد لن يُقدّم "حزب الله" خدمات مجّانية لإسرائيل، لجهة الإقرار بهكذا نوع من البنُى التحتيّة العسكريّة، حيث من المُتوقع أن تُركّز رُدوده على ضرورة التنبّه لغايات الحملات الإسرائيليّة المشبوهة على "الحزب" وعلى لبنان، وعلى أهداف التهديدات المُعادية للإثنين معًا.

رابعًا: بغضّ النظر عن وُجود هذه الأنفاق فعلاً من عدمه، وبغضّ النظر عن عددها وحجمها وخطرها-إذا كانت موجودة أصلاً، الأكيد أنّ القيام بأعمال حفر على الحُدود مع لبنان من جانب إسرائيل، سيرفع منسوب التوتّر، وسيجعل الهدوء الهشّ عرضة لإختبار دقيق وخطير، حيث أنّ تحرّك الجيش الإسرائيلي فوق الأرض وتحتها في مناطق مُحاذية للحُدود اللبنانيّة، قد يحمل في أي لحظة بُذور وُقوع مُواجهة أمنيّة غير محسوبة، مع ما يعنيه هذا الإحتمال من مخاطر شاملة.

في الختام، من المُتوقّع أن يتحرّك لبنان لمُواجهة ما تقوم به إسرائيل على الحُدود، بالتوازي مع ما تُطلقه من تهديدات وما تقوم به من دعاية عدائيّة، وذلك على خطّين: الأوّل سياسي ودبلوماسي للردّ على الإتهامات الإسرائيليّة، والثاني ميداني لوجستي عبر قوى ​الجيش اللبناني​ بمُؤازرة قوّات "الأمم المتحدة" العاملة في الجنوب، لمنع أي خروقات إسرائيلية للحُدود، أكان من فوق الأرض أو من تحتها.