استفاد اللبنانيون من تراجع اسعار برميل النفط عالمياً، حيث لمسوا بشكل حسي انخفاضاً دراماتيكياً لسعر صفيحة البنزين والمازوت، وهو امر كان له صدى ايجابي لدى المواطنين. انما على الضفة الاخرى، كان الاستغراب سيد الموقف ازاء هذا الانخفاض المفاجىء والمتلاحق. وبعيداً عن اوضاع السوق والعرض والطلب، كان هناك رؤية لعدد من المحللين الذين اشاروا الى ان هذه النتيجة اتت كرد فعل مباشر على قرار الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ القيام بـ"حصار اقتصادي" على ​ايران​، فطلب من ​السعودية​ زيادة انتاجها من النفط، فيما اتفق مع ​روسيا​ على الامر عينه. ووفق رؤية ترامب، فإن العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران، معطوفة على تخفيض مردودها من النفط الذي تعتمد عليه، سيشكلان عاملاً اساسياً من اجل زعزعة الاستقرار الايراني من الداخل، في ظل انتفاء اي تفكير في اجراء مواجهة عسكريّة مع طهران.

وفي السياق نفسه، كان لافتاً قرار قطر الانسحاب من منظمة "اوبك" في ظل ترؤس السعوديّة وروسيا اللجنة الوزاريّة المشتركة للمراقبة. وفيما لا تعتبر قطر من الدول الكبيرة المصدرة للنفط، الا ان قرارها اثار الاهتمام ولم يقنع كثيراً التبرير الذي قدمته لجهة ان تركيزها سينحصر بالغاز، اذ انها كانت ولا تزال، من الدول الكبيرة المصدّرة للغاز المسيّل ولم يتغير شيء في المعادلات من اجل ان تترك المنظمة النفطية بهذه الطريقة.

في المقابل، عمد ترامب الى الايعاز للسعودية بتليين الموقف مع قطر، وقد استجابت الرياض للدعوة على ما يبدو بالسرعة المطلوبة، تعبيراً عن شكرها وتقديرها لوقفة ترامب الى جانبها في قضية مقتل الصحافي جمال الخاشقجي، فوجّه ملك السعودية دعوة لامير قطر لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي. ومن الطبيعي ان تكون هذه المحاولة لرأب الصدع بين قطر وجيرانها الخليجيين الذي تسببت به العقوبات التي فرضتها السعودية والامارات والبحرين ومصر على الامارة الخليجية.

ويراهن ترامب على ان يعيد توحيد الجبهة الخليجية ضد ايران، لانه يعتبر ان هذه الخطوة بالاضافة الى الخطوات الاخرى التي اتخذها من عقوبات اقتصادية وتخفيض سعر النفط، من شأنها ان تلهب الاوضاع في الداخل الايراني وقد تدفع الايرانيين للنزول الى الشارع مجدداً والقيام بالتظاهرات المطلوبة من قبل واشنطن لحصول التغيير الذي ترتقبه. وفي حال نجح الرئيس الاميركي في مسعاه، بعد فترة من الوقت، سيكون قد وجّه ضربة قويّة لسلفه ​باراك اوباما​ من جهة، واعاد الاعتبار بقوة للجمهوريين من جهة ثانية عبر تحقيقه ما نادى به الكثيرون قبله من الرؤساء الاميركيين، دون ان يتمكنوا من تحقيقه، مع الاشارة الى انه (في حال تحقق الامر) سيكون قد قام بالتغيير المطلوب دون ان يدفع ثمنه أيّ خسارة للجنود الاميركيين، فيبقى بمنأى عن الغضب الداخلي.

وتدرك ايران ان هذا المخطط من شأنه تشكيل خطر كبير عليها، وان محاربته لن تكون سهلة، وهي تتسلح بإمكان تفاهمها مع اوروبا على حساب اميركا، كما يرى الكثيرون انها قد تلعب اوراقها في المنطقة في وجه روسيا و​الولايات المتحدة​ معاً اذا شعرت ان الروس قد يعمدون الى التخلي عنها كرمى لمصالحهم. ومما لا شك فيه ان الوضع الداخلي في ايران سيشهد مزيداً من التشدد وذلك بهدف قطع الطريق امام اي تحركات ميدانية في الشارع لزرع البلبلة وزيادة الامور تعقيداً بالنسبة الى السلطة، ولمنع ترامب من تحقيق ما كان اوحى به سابقاً من ان ايران ستطلب الحوار انما وفق شروط مغايرة لتلك التي فرضتها سابقاً وتفرضها حالياً، وتكون اكثر قرباً للتفكير الاميركي من اي وقت مضى. لقد انطلقت لعبة عض الاصابع، فمن الذي سيصرخ اولاً؟!.